ادعى رجل ضيعة في يدي رجل أنها كانت لفلان مات وتركها ميراثاً لي، لا وارث لها غيري، وقضى القاضي له بالضيعة، فقال المقضى عليه بالضيعة بطريق الدفع لدعوى المدعي: إن فلانة التي تدعي أنت الإرث عنها لنفسك ماتت قبل فلان الذي يدعي الإرث عنه لفلانة، فقد قيل: هذا دفع صحيح، وقد قيل: إنه غير صحيح؛ لأن زمان الموت لا يدخل تحت القضاء، فلا يثبت بينة المدعى عليه موت فلانة قبل موت فلان.u
سئل رجل ادعى محدوداً في يدي رجل ميراثاً عن أبيه له ولأخيه الغائب فلان، فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي: إن مورثك فلان قد أقر في حياته أن هذا المحدود ملكي، فقد قيل: هذا دفع، وقد قيل: إن قال: إن مورثك فلان أقر أن هذا ملكي، وأنا صدقته فيه فهذا دفع، فإن لم يقل: وأنا صدقته فهذا ليس بدفع، وإن حضر الأخ الغائب وادعى في دفع دعوى المدعى عليه الدفع على أخيه.
وقال: إن المدعى عليه أقر بعد موت أبينا أن هذا المحدود تركة أبينا، فهذا دفع لدعوى المدعى عليه، ولو كان المدعى عليه من الابتداء لم يدع إقرار المورث، يكون المحدود ملكاً له إنما ادعى إقرار الوارث المدعي؛ يكون المحدود ملكاً للمدعى عليه.
فالجواب فيه على الخلاف أيضاً، على قول بعض المشايخ: هذا دفع، وعلى قول بعضهم يجب أن تكون المسألة على التفصيل؛ إن قال: إنك أقررت بكون المحدود ملكي، وأنا صدقتك يصح الدفع، وإن حضر الأخ الغائب وادعى في دفع دعوى المدعى عليه وقال: إن المدعى عليه قد أقر بعد موت أبينا أن هذا المحدود تركة أبينا، لا يسمع منه هذا الدفع؛ لأن ما تعلق بالموت يتعلق بجميع الورثة، أما ما يتعلق ببعض الورثة يقتصر.
نوع آخر في مسائل الإكراه
إذا ادعى الإكراه على البيع والتسليم، فقال المشتري في دفع دعواه: إنك أخذت الثمن مني طائعاً، فهذا دفع صحيح؛ لأن قبض الثمن طائعاً إجازة لذلك البيع، وهذا لأن البائع إنما يأخذ الثمن من المشتري ليسلم الثمن له، ولا يسلم الثمن للبائع إلا بإجازة البيع، فكان أخذ الثمن من البائع إجازة للبيع من هذا الوجه.
وكذلك إذا ادعى الإكراه على الهبة فقال الموهوب له في دفع دعواه: إنك أخذت عوض هبتك مني طائعاً فهذا دفع صحيح؛ لأن أخذ العوض طائعاً إجازة منه للهبة.
وفي «مجموع النوازل» : سئل شيخ الإسلام عطاء بن حمزة السغدي رحمه الله عن رجل أثبت على رجل بالبينة أنه أقر بكذا طائعاً، وأقام المدعى عليه في دفع ذلك بينة أن إقراره ذلك كان بإكراه هل يكون دفعاً لبينة المدعي؟ قال: نعم، وبينة الإكراه أولى بالقبول، لأن بينة الإكراه ثبتت خلاف الظاهر قيل له: إن البينة على الإثبات أولى من البينة على النفي، وبينة الطوع تثبت الدين، وبينة الإكراه نافية الدين، قال: فإن كان كذلك إلا أن التي تثبت الزيادة من حيث الظاهر هي أولى، وإن كان في المعنى بخلافه، وعلى هذا مسائل أصحابنا في المزارعة.