للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا منافاة بين الأمرين إذا لم يكن في الشهادتين ذكر الوقت لجواز أن فلاناً الأجنبي أخذه أولاً، ثم رده عليه، ثم أخذه المدعى عليه، وإذا لم يكن بين الأمرين منافاة أمكن تصحيح البينتين، والبينات حجج الله تعالى، فمهما أمكن تصحيحها لا يلغى أحدهما.

ولو أن المدعى عليه أخذ منه هذا المال، فهذا إبطال لدعوى المدعي، وإكذاب لبينته.

والفرق: أن في هذه المسألة ثبتت بينة المدعى عليه إقرار المدعي بأخذ وكيل المدعى عليه المال منه، لا تصح دعوى المدعي بعد ذلك الأخذ من المدعى عليه، لأن فعل الوكيل فعل الموكل، فيصير المدعي بدعوى الأخذ بعد ذلك على المدعى عليه مدعياً ذلك الأخذ لا أخذاً آخر، ووقت آخر من غير ضرورة.n

قلنا: وأمكن أن يجعل المدعي مدعياً ذلك الأخذ على المدعى عليه؛ لأن فعل الإنسان ينتقل إلى غيره إذا كان بحكم الوكالة عن ذلك الغير، وإذا صار المدعي مدعياً ذلك الأخذ يصير مدعياً المال على المدعى عليه بأخذ وجد من وكيله.

قلنا: ودعوى المدعى عليه بفعل وجد من الغير باطل؛ لأن الإنسان لا يصير متعدياً بفعل غيره، أما في المسألة الأولى: لا يمكن أن يجعل المدعي مدعياً على المدعى عليه ذلك الأخذ الذي كان من فلان الآخر؛ لأن فعل الإنسان إنما ينتقل إلى غيره بحكم الوكالة عن ذلك الغير وكالة في المسألة الأولى، فكان مدعياً عليه أخذاً آخر بطريق الأصالة، ودعوى المال على غيره بسبب الأخذ منه بطريق الأصالة، دعوى صحيحة، فهذا هو الفرق المنقول عن المشايخ، وإنه مشكل عندي.

وقالوا: المراد من مسألة الوكيل أن لا يكون الموكل، وهو المدعى عليه ذو سلطان، أما إذا كان ذا سلطان كان الضمان فيه على الموكل، وهو المدعى عليه على ما مر قبل هذا، فيستقيم دعوى الضمان عليه بأخذ وكيله على ما مر قبل هذا.

والمراد من الوكالة بالمذكور فيه الأمر لا حقيقة الوكالة، وإذا ادعى على رجل عيناً في يده ملكاً مطلقاً، وأقام البينة وقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي: هذه العين ملكي، وقد كنت أيها المدعي اشتريت هذه العين مني ثم أقلنا البيع، واليوم هذه العين ملكي، فأقاما على ذلك بينة، فهذا ليس بدفع لأن المدعي ادعى الملك المطلق لنفسه، وفي مثل هذا البينة بينة الخارج.

وقد قيل: ينبغي أن تقبل بينة صاحب اليد على قول من يقول بأن البينة مع الإقرار إذا اجتمعا، فالقاضي يقضي بالإقرار لا بالبينة.

ووجهه: أن صاحب اليد لما قال للمدعي: قد كنت اشتريت هذه العين مني، فقد أقر بالملك للمدعي، وتطلب بينة المدعي، فعند ذلك صاحب اليد بدعوى الإقالة يدعي الإقالة إلى نفسه ويقيم عليه البينة، ولم يبق للمدعي بينة، فقبل بينة صاحب اليد ضرورة، ولأن صاحب اليد لما ادعى البيع من المدعي والإقالة، وأثبت ذلك بالبينة، فقد ثبت إقرار المدعي أن الملك لصاحب اليد في رواية، وإقراره أنه لا ملك له قبل البيع باتفاق الروايات، ومع إقرار المدعي أن لا ملك له قبل البيع كيف يقضى له بالملك المطلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>