شهادة الشاهد الذي شهد على صاحب اليد وأبطل شهادة ذلك الشاهد، وعند ذلك ينفذ إقرار المقر؛ لأن عدم نفاذ إقراره قبل هذا كيلا يبطل ما أقام غير المقر له من الشهادة، فإذا رضي ببطلانه، فقد زال المانع فنفذ إقرار المقر، فصار المقر له صاحب يد ووقع الدعوى بين الخارج، وبين صاحب اليد، فيقضى بالعبد للخارج، فإن قال المقر له: أنا أعيد شاهدي الأول أن العبد عبدي، لم يلتفت إليه لأنه صار مقضياً عليه، ولأنه لا يتصور في حقه أن
يترك الاستحقاق الثابت له بما أقام من الشاهد على ذي اليد، ويستأنف الخصومة استئنافاً من غير المقر؛ لأنه صاحب يد فلا تسمع منه البينة على الملك المطلق، فإن قال غير المقر له: قد مات شاهدي الأول أو غاب، يقال له: هاتِ بشاهد آخر فأقمه على المقر له حتى يقضى لك بكل العبد، وهذا لأن شهادة الشاهد الأول لا تبطل بموته، ولا بغيبته، فكان موته وغيبته وبقاؤه حياً سواء، فإذا أقام شاهداً آخر، انضم الشاهد الثاني الى الشاهد الأول فيقضى له بالعبد كله، إلا أن يقيم المقر شاهداً آخر مع شهادة الأول، قبل القضاء لغير المقر له فحينئذٍ يقضى بالعبد بينهما؛ لأن هذه الخصومة بناء على الخصومة الأولى وهما خارجان في تلك الخصومة، من حيث أن المعنى.
قال: أو يقيم المقر له شاهدين مستقبلين، فيقضي بينهما كما لو أقام كل واحد منهما شاهداً آخر، وهذه المسألة من المسائل التي كتب محمد بن سماعة الى محمد بن الحسن رحمه الله يستفرقه بينهما وبين المسألة التي فيها طعن القضاة الثلاثة، فكتب إليه محمد رحمه الله أن الصحيح أن يقضى بالعبد بينهما، ثم بينما لو أقام غير المقر له شاهدين مستقبلين على المقر له، وبينما أقام المقر له شاهدين مستقبلين على غير المقر له فقال: إذا أقام غير المقر له شاهدين مستقبلين يقضى بكل العبد له، وقال: إذا أقام المقر له شاهدين مستقبلين يقضى بالعبد بينهما.
والفرق بينهما هو أن: لغير المقر له أن يستأنف الخصومة مع المقر له أن ما يدعيه غير المقر له في يد المقر له، فصار المقر له خصماً وهو ذو اليد، وغير المقر له خارج، فيقضى بالعبد للخارج، فأما المقر له فلا يمكنه أن يجعل الذي ليس بمقر له خصماً فيستأنف الخصومة معه، لأنه لا بد لغير المقر له فاعتبر إقامة الشاهدين بناء على الخصومة الأولى كأنه أقامها على ذي اليد فبقيا خارجين، فيقضى بالعبد بينهما، لهذا، فإن قيل: أنه لم يمكن أن يجعل إقامته شاهدين مستقبلين من المقر له على سبيل استئناف الخصومة مع المدعي لاستحقاق العبد عليه، يمكن أن يجعل هذا منه إبطالاً لما أقام غير المقر له من الشاهد الأول الذي أقامها على المقر، كما جعل فيما تقدم وهو ما ادعى ذو اليد أنه لفلان أودعه، فقبل أن يقضي القاضي ببينة مدعي الشراء.
حضر فلان وأقام البينة أنه له أودعه من ذي اليد كما أقر، حيث تبطل به بينة مدعي الشراء، فههنا يجب أن يكون كذلك، والجواب ثمة أمكن قبول بينته على إبطال بينة المدعي للشراء، لأن المقر له ببينته يثبت أن مدعي الشراء أقام البينة على مودعه وهو غائب، وبينة المدعي على المودع حال غيبة المودع باطلة، فأمكن قبول بينته لإبطال بينة