المدعي، أما في مسألتنا: لا يمكن قبول بينة المقر على إبطال ما أقام غير المقر له من الشاهد، لأن أكثر مافي الباب أنه يثبت أن غير المقر له أقام البينة على المودع، لكن المقر له حاضر، وبينة المدعي على المودع حال حضرت المودع مقبولة، فلهذا افترقا.
قال محمد رحمه الله: عبد في يدي رجل ادعاه رجلان، كل واحد منهما أقام بينة أنه عبده أودعه الذي في يديه وصاحب البينة جاحد، أو ساكت، وقضى القاضي بالعبد بين المدعيين لاستوائهما في الحجة، ثم إن أحد المدعيين أقام بينة أن العبد عبده، لم ينتفع بتلك البينة، ولا يقضى على صاحبه بشيء؛ لأن كل واحد من المدعيين صار مقضياً عليه في النصف الذي قضى به لصاحبه؛ لأنه ببينته استحق الكل، ولولا بينة صاحبه، يقضى له بكل العبد، وإنما حرم كل واحد عن النصف ببينة صاحبه، وصار هو مقضياً عليه في شيء، لا يصير مقضياً له في عين ذلك الشيء.
فإن قيل: كيف يجعل كل واحد من المدعيين مقضياً عليه في النصف الذي صار لصاحبه، ولم يكن له (٢٢٢ب٤) في ذلك النصف ملك قبل القضاء.
قلنا: إن لم يكن له فيه ملك كان له حق الملك، لأنه أقام البينة أن الكل له وأنها توجب حقيقة الملك عند إيصال القضاء بها، فوجب حق الملك وحق الملك معتبر بحقيقة الملك، ولو ثبتت الحقيقة يصير مقضياً عليه كذا ههنا، ولو عدلت بينة أحدهما ولم يعدل بينة الآخر، أو لم يقم الآخر شاهداً واحداً، فقضى به لمن عدلت بينته، ثم جاء الآخر ببينة عادلة، قضي له به؛ لأنه لم يصر مقضياً عليه به من جهة صاحبه، لأنه لم يكن له في المقضي به لا حقيقة الملك، ولا حق الملك لانعدام الحجة الموجبة للقضاء، والقضاء على الإنسان بإزالة الاستحقاق الثابت له، فإذا لم يكن الحق ثابتاً له، كيف يتصور إزالته فعلم أنه لم يصر مقضياً عليه فسمع دعواه، وبينته بعد ذلك، ولو أقام أحدهما البينة، فلم يزل ببينته حتى أقر ذو اليد أن العبد الذي لم يقم البينة أودعه إياه، ودفع القاضي العبد إلى المقر له، ثم زكيت بينة الذي أقامها، وأخذ صاحب البينة العبد من المقر له، ثم إن المقر له أتى ببينة أنه عبده أودعه إياه ذو اليد، قبلت بينته، وقضي له بالعبد، لأن المقر له لم يصر مقضياً عليه؛ لأن بينة غير المقر له قامت على ذي اليد، وجعل المقر له كالوكيل عنه على ما مر قبل هذا.
فإن قيل: الملك ثبت للمقر له بإقرار ذي اليد وجعل المقر له كالوكيل عنه وتصديق المقر له إياه ثم استحق عليه بالقضاء ببينة المدعي فيجعل المقر له مقضياً عليه.
قلنا: إقرار ذي اليد كان بعد إقامة المدعي بينته على ذي اليد وعند ظهور عدالة الشهود ثبت الاستحقاق في وقت الشهادة، فظهر أن إقرار ذي اليد كان باطلاً؛ لأنه ظهر أنه لم يكن مالكاً للعبد، وإذا بطل إقراره بطل تصديق المقر له لكونه بناء عليه وإذا بطل الإقرار والتصديق صار وجودهما والعدم بمنزلة ولو عدما، وباقي المسألة بحاله كان المقضي عليه الذي كان العبد في يده دون المقر له كذا ههنا.
وكذلك لو أقام المقر له البينة على ما ذكرنا قبل القضاء لصاحبه ببينته يقضى للمقر