للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المستحب أن يخرج ويصلي على الأرض لأن الصلاة على الأرض أكمل والصلاة في السفينة أنقص؛ لأن الغالب من حال راكب السفينة دوران الرأس واسوداد العين متى صلى قائماً يحتاج إلى القعود، وله بد من ذلك.

فإن صلى فيها قاعداً وهو يقدر على القيام والخروج أجزأه عند أبي حنيفة رحمه الله استحساناً، لكن الأفضل أن يقوم أو يخرج، وعندهما لا يجزئه قياساً.

وأجمعوا أن السفينة إذا كانت مربوطة بالشط أنه لا يجوز فيها الصلاة قاعداً، وأجمعوا أنه إذا كان بحيث لو قام يدور رأسه تجوز الصلاة فيها قاعداً.

وجه القياس: وهو أن السفينة كالبيت في حق راكب السفينة بدليل أنه يلزمه استقبال القبلة، ولا تجوز صلاة التطوع فيها بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود كما في البيت؛ وهذا لأن سقوط القيام في المكتوبة للعجز والمشقة وهو قد زال لقدرته على القيام أو الخروج.

وجه الاستحسان: وهو أن الغالب من حال راكب السفينة دوران الرأس إذا قام والحكم يبنى على العام، والغالب دون الشاذ النادر.

ألا ترى أن نوم المضطجع جعل حدثاً بناءً على الغالب من حاله أنه يخرج منه شيء لزوال الإمساك، وسكوت البكر جعل رضاً، لأجل الحياء بناءً على الغالب من حال البكر.

وكذلك المترفه في السفر له أن يفطر كصاحب المشقة؛ لأن مبنى أحوالهم على المشقة والشدة، والترفه في السفر نادر، فلم يعتبر ذلك النادر في حق الترخيص بالإفطار، فهذا مثله.

ثم لم يفصل في «الكتاب» على قول أبي حنيفة رحمه الله بين أن تكون السفينة جارية أو ساكنة ماسكة، منهم من قال على قول أبي حنيفة رحمه الله إنما يصلي قاعداً إذا كانت جارية؛ لأن الغالب دوران الرأس واسوداد العين إذا قام، فأما إذا كانت السفينة ساكنة ماسكة لم تجز الصلاة فيها قاعداً.

قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام المعروف بجواهر زاده رحمه الله: وقد ذكر الحسن بن زياد في كتابه بإسناده عن سويد بن غفلة، قال: سألت أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما عن الصلاة في السفينة، فقالا: إذا كانت جارية يصلي قاعداً وإذا كانت ساكنة يصلي قائماً؛ لأنه يقدر على القيام في هذه الحالة، ولا يجوز للمسافر أن يصلي فيها بالإيماء سواء كانت الصلاة مكتوبة أو نافلة؛ لأنه يمكنه أن يسجد فيها، فلا يعذر في تركه، والإيماء إنما شُرع عند العجز وهذا قادر، فلا يجوز له الإيماء.

فرق بين هذا وبين الدابة والفرق وهو: أن الأثر في بالإيماء، ورد في حق راكب الدابة بخلاف القياس وما ورد في حق راكب السفينة على أصل القياس؛ ولأن راكب الدابة ليس له موضع قرار على الأرض وراكب السفينة له موضع قرار، فالسفينة كالبيت على ما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>