للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أنه لا يجري بها، بل هي تجري به، قال الله تعالى: {وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يبُنَىَّ ارْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَفِرِينَ} (هود: ٤٢) وراكب الدابة يجري بها حتى يملك إيقافها متى شاء، ولهذا جوزنا الصلاة على الدابة حيث كان وجهه.

والذي يوضح الفرق ويؤكده، فصل المخيرة، فإنها إن كانت راكبة الدابة تستوي الدابة وساقتها بطل خيارها، وإن كانت راكبة السفينة ففرق السفينة بها لم يبطل خيارها، وهكذا الجواب في جميع ما يتوقف بالمجلس، وينبغي للمصلي فيها أن يتوجه القبلة كيف ما دارت السفينة سواء كان عند افتتاح الصلاة أو في خلال الصلاة لأنه التوجه إليها فرض عند القدرة وهذا قادر فيتوجه لقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآء فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (البقرة: ١٤٤) بخلاف راكب الدابة؛ لأنه عاجز عن استقبال القبلة؛ لأنه لو استقبلها حيث ما سارت له الدابة انقطع سير الدابة وفات مقصود راكبها، وفي ذلك حرج عليه، فجعل معذوراً في ترك الاستقبال إليها حتى أن راكب الدابة إن كان يسير نحو القبلة، فانحرفت عن القبلة لم تجز صلاته، كذا ذكر شمس الأئمة فلا يصير مقيماً بنية الإقامة فيها؛ لأن السفينة ليست بموضع قرار، ولا حتى بيت إقامة ولكنه يعد للانتقال والبحر موضع المخاوف قال النبي عليه السلام: «من ركب البحر إذا ارتج أو قال: ألتج أي موج يراوده فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله» ، فلا يكون هذا أقل حالاً من الذي ينوي الإقامة في المفازة وهناك لا يصير مقيماً فها هنا أولى، وكذلك صاحب السفينة، والملاح لا يصير مقيماً لأن محلته للإقامة لا تختلف بين المالك والملاح وغير ذلك.

قال شمس الأئمة والحاكم رحمهما الله في «شرحه» : وهذه المسألة شهدت لأبي حنيفة رحمه الله: فيمن ترك القيام في السفينة وصلى قاعداً تجوز صلاته، فيقول: كما لم يصر صاحب السفينة والملاح مقيماً فيها وإن أمكنه المقام فيها، فكذلك تجوز صلاة القاعد فيها وإن أمكنه القيام.

قال: إلا أن تكون السفينة تقرب من بلده أو قريبة، وأن تكون قريبة على الحد فحينئذٍ يكون مقيماً بإقامته الأصلية، فلا يجزىء أن يأتم رجل من أصل سفينة بإمام في سفينة أخرى لأن بينهما نهراً تجري فيه السفن، ولا خلاف بين أصحابنا أنه إذا كان بين الإمام والقوم نهر تجري فيه السفن لا يصح الاقتداء، إنما الاختلاف في نهر يمكن المشي في بطنه.

فعلى قول أبي يوسف رحمه الله: يمنع صحة الاقتداء، وعلى قول محمد رحمه الله: لا يمنع صحة الاقتداء، فإن كانت السفينتان مقرونتان، فحينئذٍ يصح الاقتداء؛ لأنه ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>