الجمعة من غير عذر ثلاثاً، فهو منافق» وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:«من ترك أربع جمع متواليات من غير عذر، فقد نبذ الإسلام وراء ظهره» .
وأما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على فرضية الجمعة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلّمإلى يومنا هذا.
وأما المعنى فلأنا أمرنا بترك الظهر لإقامة الجمعة، والظهر فريضة ولا يجوز ترك الفرض إلا لفرضٍ هو آكد وأولى منه، فدل وجوب ترك الظهر لإقامة الجمعة على أن الجمعة أوجب وأقوى وآكد من الظهر في الفرضية، هذا بيان فرضيتها.
وأما بيان أصل الفرض في هذا الوقت، فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: أصل الفرض الظهر إلا أنه إذا أدى الجمعة يسقط الظهر عنه، وقال بعضهم: أصل الفرض الجمعة، وقال بعضهم: الفرض أحدهما إلا أن الجمعة أفرضهما، وقال بعضهم: على قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله: أصل الفرض في هذا الوقت هو الظهر، وقد أمر بإسقاطه بالجمعة.
وقال محمد رحمه الله: الفرض هو الجمعة وله أن يسقط الجمعة بأداء الظهر، ولمحمد رحمه الله في «النوادر» قول آخر: أن الفرض أحدهما ويتعين بفعل آخر، وقال زفر رحمه الله: الفرض هو الجمعة على اليقين، الظهر بدل عنه إذا فاتت.
وإنما قال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد رحمهم الله: إن أصل الفرض الظهر؛ لأن أصل الفرض في حق كل أحد ما يتمكن من أدائه بنفسه، وهو إنما يتمكن من أداء الظهر بنفسه، إما ما يتمكن بأداء الجمعة، ولأنا لو جعلنا أصل الفرض الجمعة كان الظهر خلفاً عن الجمعة عند فواتها، وأربع ركعات لا تكون خلفاً عن ركعتين، ولأن الظهر كان مشروعاً في هذا الوقت قبل شروع الجمعة، لو انتسخ شرعيته إنما تنسخ معوضاً بشرعية الجمعة، وليس من ضرورة شرع الجمعة انتساخ الظهر إذا وجمع الشرع بينهما كان مستقيماً، والدليل عليه أنه شرع في حق العبد والمريض والمسافر، حتى لو أدوا الجمعة جاز وبقي الظهر مشروعاً في حقهم، حتى لو صلى الظهر يجوز، فلو كان بينهما منافاة ما اجتمعا.
وثمرة الاختلاف مع زفر تظهر في فصلين:
أحدهما: أنه إذا صلى الظهر قبل أداء الناس الجمعة في منزله لم يعتد به في قول زفر؛ لأن الفرض هو الجمعة والظهر بدل عنها، ولا صحة للبدل مع القدرة على اتحاد الأصل، وعندهما لما كانت فرضية الظهر باقية مشروعة وقع موقعه.
الفصل الثاني: أن المعذور من المريض والمسافر والعبد إذا أدى الظهر في منزله ثم