سعى إلى الجمعة انتقض الظهر، وقال زفر: لا ينتقض؛ لأن فرضية الجمعة لم تظهر في حقه، فوقع الظهر موقع الفرض فسقط الفرض، فلا ينتقض بعد ذلك.
ولنا: أن فرضية الظهر لم تنسخ في حق المعذور، وغير المعذور أمر بإسقاط الفرض بأداء الجمعة، فإذا سعى إلى الجمعة صار ممتثلاً للأمر، فاستدعى انتقاض الظهر فإذا عرفنا هذا في غير المعذور.
نقول: إنما فارق المعذور غير المعذور في حق الترخيص على معنى أنه رخص له لذلك يترك الظهر بأداء الجمعة، فإذا لم يترخص صار هو وغير المعذور سواء، فيستدعي انتقاض الظهر في حقه كما لو حضر قبل أداء الظهر، وأدى الجمعة صار تاركاً للظهر بأداء الجمعة كغير المعذور.
وثمرة الاختلاف الذي ذكرنا مع محمد رحمه الله تظهر في مسألة أخرى، وهي أنه إذا تذكر الفجر في خلال الجمعة وهو يخاف إن اشتغل بأدائها أن تفوته الجمعة ولا تفوته الظهر، قال محمد رحمه الله: يتم الجمعة؛ لأن فرض الوقت هو الجمعة، فإذا خاف فوت فرض الوقت اشتغل به وعندهما فرضية الظهر فيه وأمر بإسقاطه بأداء الجمعة، فإذا لم يخف فوت فرض الوقت تعين مراعاة الترتيب فرضاً عليه.
وهذه المسألة في الحاصل على ثلاثة أوجه: إن كان الوقت بحال لو اشتغل بالفائتة يخرج الوقت مضى في الجمعة عند الكل؛ لأن الترتيب سقط عند ضيق الوقت وإن كان في الوقت سعة، بحيث يعلم أنه لو اشتغل بالفائتة لا تفوته الجمعة بقطع الجمعة في قولهم ويقضي الفائتة.
وإن علم أنه لو اشتغل بالفائتة تفوته لكن يمكنه أداء الظهر، فالمسألة على الخلاف على قول (١٠١أ١) أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله يقطع الجمعة، ويصلي الفائتة ثم يصلي الظهر في آخر الوقت، وقال محمد: يمضي ويصلي في الجمعة والله أعلم.
النوع الثاني في بيان شرائط الجمعة وما يتصل من المسائل بها
فنقول: للجمعة شرائط بعضها في نفس المصلي، وبعضها في غيره، أما الشرائط التي في غير المصلي فستة:
أحدها: المصر وهذا مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: المصر ليس بشرط وكل قرية سكنها أربعون من الأحرار البالغين لا يظعنون عنها شتاءً ولا صيفاً تقام لها الجمعة.
حجته في ذلك: قوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(الجمعة: ٩) من غير فصل وقوله عليه السلام: «الجمعة على من سمع النداء» من غير فصل، وعن ابن عباس