رضي الله عنهما قال:«أول جمعة جمعت في الإسلام بعد الجمعة بالمدينة جمعة جمعت بجواثا» وجواثا قرية من قرى عامر بن القيس بالجرين.
ولنا: حديث علي رضي الله عنه موقوفاً عليه، ومرفوعاً إلى رسول الله عليه السلام «لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع» ، وروى سراقة بن مالك عن رسول الله عليه السلام أنه قال:«لا جمعة ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع» ، ولأن إقامة الجمعة، وهي ركعتان مقام الظهر وهي أربع ركعات أمر عرف شرعاً بخلاف القياس فيراعى فيه جميع الشرائط التي اعتبرها الشرع، والشرع اعتبر المصر، فإن النبي عليه السلام أقامها بمدينة، ولم ينقل أنه أقامها في حوالي مدينة، وفي تسميتها جمعة دليل على أن المصر شرط فإنما تسمى جمعة؛ لأنها جامعة للجماعات حتى وجب بنداء الجماعات يوم الجمعة.
وفي قرية يسكنها أربعون رجلاً لا يتصور جمع الجماعات، فإن جماعتهم واحدة، والآية لا حجة له فيها؛ لأن المكان مضمر فيه بالإجماع حتى لا يجوز إقامة الجمعة في البوادي بالإجماع، فنحن نضمر المصر وهو يضمر القرية، وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قلنا: جواثي بلدة كبيرة وتسميتها قرية لا ينافي كونها بلدة؛ لأن اسم القرية ينطلق على البلدة قال الله تعالى:{وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ الَّتِى أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَهُمْ فَلاَ نَصِرَ لَهُمْ}(محمد: ١٣) والمراد مكة وهي بلدة.
وإذا ثبت أن المصر شرط لإقامة الجمعة نحتاج إلى بيان حد المصر الذي تقام فيه الجمعة، وقد تكلموا فيه على أقوال: روي عن أبي حنيفة رحمه الله: أن المصر الجامع ما يجتمع فيه مرافق أهلها ديناً ودنياً، وعن أبي يوسف رحمه الله ثلاث روايات، في رواية قال: كل موضع فيه منبر وقاضي ينفذ الأحكام ويقيم الحدود فهو مصر جامع، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله، وفي رواية أخرى عنه كل موضع أهلها بحيث لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم ذلك فهو مصر جامع، وفي رواية أخرى قال: كل موضع يسكن فيه عشرة آلاف نفر، فهو مصر جامع.
ومن العلماء من قال: المصر الجامع ما يعيش فيه كل صانع لصنعته، ولا يحتاج إلى العود من صنعة إلى صنعة، وعن محمد رحمه الله أنه قال: كل موضع مصر للإمام فهو مصر حتى أن الإمام إذا بعث إلى قرية نائباً لإقامة الحدود فيهم وقاضياً يقضي بينهم صار ذلك الموضع مصراً، وإذا عزله ودعاه إلى نفسه عادت قرية كما كانت، وقال بعض العلماء: كل مصر بلغت مساحته مصراً جمع فيه رسول الله عليه السلام، فهو مصر جامع.
ومن العلماء من قال: كل موضع كان لأهله من القوة والشوكة، ما لو توجه إليهم