جمع أمير الموسم بهم وهو مسافر بمكة قال يجزئه، وإن صلى بهم بمنى لا يجزئه ليس له حق إقامة الجمعة، ثم في ظاهر رواية أصحابنا رحمهم الله لا يذهب شهود الجمعة، إلا على من يسكن المصر والأرباض المتصلة بالمصر حتى لا تجب على أهل السواد أن يشهدوا الجمعة سواء كان السواد قريباً من المصر أو بعيداً عنه.
وعن محمد رحمه الله: أنه إذا كان بينه وبين المصر ميل أو ميلان أو ثلاثة أميال، فعليه الجمعة وإن كان أكثر من ذلك، فلا جمعة عليه وعنه في رواية «نوادر» أخرى أنه إذا كان بينه وبين أهل المصر أقل من فرسخين فعليه أن يشهد الجمعة، وإن كان أكثر من ذلك فلا، وعنه في رواية أخرى أن في كل موضع لو خرح الإمام إلى ذلك الموضع وأقام الجمعة فيه جاز جمعته، وعد مجمعاً في المصر فعلى أهل ذلك الموضع الرواح إلى الجمعة، وكل موضع لو خرج الإمام إليه وجمع فيه لم يعد مجمعاً في المصر، فلا جمعة عليه.
وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه إذا كان بينه وبين المصر فرسخ أو فرسخان، فعليه أن يشهد الجمعة، وعنه أيضاً: أنه إذا كان بحيث لو غدا وشهد الجمعة أمكنه الرجوع إلى منزله قبل أن يؤتيه الليل، لزمه أن يشهد الجمعة، وكثير من المشايخ أخذوا بهذه الرواية.
وجه ما ذكر في هذه ظاهر الرواية أن النبي عليه السلام وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين كانوا لا يأمرون أهل السواد القريبة بالحضور إلى الجمعة؛ إذ لو أمروا لاشتهر واستفاض، والمعنى فيه أن المسافر الذي في المصر لا يجب عليه حضور الجمعة لاشتغاله بأمور السفر نفياً للحرج، والحرج الذي يلحق القروي بدخول المصر أكبر من حرج المسافر فيسقط عن القروي بطريق الأولى.
وروى الفقيه أبو جعفر عن أبي حنيفة وأبي يوسف: أن من كان مقيماً في عمران المصر وأطرافه، وليس بين مكانه وبين المصر فرجة فعليه الجمعة، ولو كان بين ذلك الموضع وبين عمران المصر فرجة من المزارع والمراعي لا جمعة على أهل ذلك الموضع، وإن كان النداء يبلغهم، والغلوة والميل والأميال ليست بشيء. هذا جملة ما روى الفقيه أبو جعفر عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله، وبه كان يفتي شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، وكان يقول: لا جمعة على أهل القلع ببخارى.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: لو أن أهل مدينة حضرهم جند من أهل الشرك، فأحاطوا بالمدينة، فخرجوا إليهم من مدينتهم وعسكروا على ميلين أو ثلاثة لا يريدون سفراً فعليهم الجمعة في عسكرهم، وكأنه أعط للمكان الذي نزلوا فيه وهو على قدر ميلين أو ثلاثة حكم المصر.
والشرط الثاني: السلطان، أو نائبه من الأمير أو القاضي، هذا مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: السلطان ليس بشرط، حجته في ذلك ما روي: أن عثمان رضي الله عنه حين كان محصوراً صلى علي رضي الله عنه الجمعة بالناس ولم يرو أنه صلى بأمر عثمان رضي الله عنه؛ ولأنها مكتوبة كسائر الصلوات، فلا يشترط لإقامتها السلطان كسائر الصلوت.