للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنه كان يخطب قاعداً، إنما فعل ذلك لمرض أو لكبر سن في آخر عمره، وفي حديث جابر بن سمرة «أن النبي عليه السلام كان يخطب قائماً خطبة واحدة فلما أسن وكبر جعلها خطبتين وجلس بينهما جلسة» ويستقبل القوم بوجهه مستدبراً القبلة، به جرى التوارث من لدن رسول الله عليه السلام إلى يومنا هذا من غير نكير منكر.

ثم السنّة أن يخطب خطبتين ويجلس جلسة خفيفة بينهما يحمد الله تعالى في الأولى، ويثني عليه ويتشهد ويصلي على النبي عليه السلام، ويعظ الناس ويذكرهم، وفي الثانية يفعل كذلك إلا أنه يدعو مكان الوعظ، كذا جرى التوارث.

قال شمس الأئمة السرخسي في تقدير الجلسة بين الخطبتين: إنه إذا تمكن في موضع جلوسه، واستقر كل عضو منه في موضعه قام من غير مكث ولبث، وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا مس الأرض موضع جلوسه أدنى مسه قام إلى الخطبة الأخرى.

وينبغي أن تكون الخطبة الثانية ما يخطب بها الخطباء في بلدنا اليوم: الحمد لله نحمده ونستعينه لا يبدل هذا بحال ولا يغيره، وله أن يبدل الأولى ويغيرها، فقد صح أن النبي عليه السلام كان لا يترك هذه الخطبة بحال، ولو خطب خطبة واحدة قائماً أو قاعداً أو خطب خطبتين قاعداً أو إحداهما قائماً، والأخرى قاعداً أجزأه إلا أنه يصير مسيئاً إن فعل ذلك من غير عذر.

وكذلك إذا خطب متكئاً على عصا أو على قوس جاز، إلا أنه يكره، لأنه خلاف السنّة وإذ خطب مستقبل القبلة مولياً ظهره إلى الناس جاز، ولكن يكره؛ لأنه خلاف السنّة، ويقرأ في خطبته سورة من القرآن أو آية، فالأخبار قد توافرت أن النبي عليه السلام كان يقرأ القرآن في خطبته، وأن خطبته لا تخلوا عن سورة أو آي من القرآن، روي أنه قرأ في خطبته: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (البقرة: ٢٨١) وروي أنه قرأ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} (الأحزاب: ٧٠) وروي أنه قرأ: {وَنَادَوْاْ يمَلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّكِثُونَ} (الزخرف: ٧٧) وروي أنه قرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الاْرْضُ زِلْزَالَهَا} (الزلزلة: ١) .

وكان الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل البخاري يقول: يستحب للإمام أن يقرأ في كل جمعة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءوفُ بِالْعِبَادِ} (آل عمران: ٣٠) الآية.

إلا أنه إذا أراد أن يقرأ سورة، فإنه يتعوذ في أولها ويسمي وإن قرأ آية من القرآن اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: يتعوذ ويسمي وأكثرهم قالوا: يتعوذ ولا يسمي، ولهذا تعارف الخطباء في زماننا ترك التسمية احتياطاً، والأمان بالتعوذ على كل حال يقولون: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقد يسمون وقد لا يسمون، وأصل الاختلاف في القراءة في غير الخطبة إذا أراد أن يقرأ سورة يتعوذ ويسمي، وإذا أراد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>