للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، وسيأتي الخطب من بعد الله أكبر ما شاء فعل» ونزل، وصلى معه خيار الصحابة من غير نكير منكر ومراده من قوله: وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال أن الخطباء الذين يأتون بعد الخلفاء الراشدين يكونون على كثرة المقال مع قبح الفعال، وأنا لم أكن قوالاً مثلهم فأنا على الخير دون الشر فأما أن يريد بهذه المقالة تفضيل نفسه على الشيخين فلا، ثم قوله: الحمد لله، كلمة وجيزة تحتها معاني جمة تشتمل على قدر الخطبة وزيادة، فالمتكلم بقوله: الحمد لله كالذاكر بجملة ذلك، فيكون ذلك منه خطبة لكنها وجيزة. وقصر الخطبة مندوب إليه على ما مر.

وحكى الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله: عن أستاذه الفقيه أبو بكر الأعمش رحمه الله كان يقول: التسبيحة الواحدة والتكبيرة الواحدة في مثل هذا المكان، في مثل هذه الحالة من مثل هذا الخطيب خطبة، وإن كانت لا تكون خطبة من غيره؛ لأن المكان أعد للخطبة والوقت وقت خطبة والخطيب هيأ نفسه لذلك، فإذا جاء بالذكر وإن قل يكون خطبة ولا يبعد أن يختلف الكلام باختلاف المحل.

ألا ترى أن من اعتاد التكلم بنعم في خلال الكلام كان نعم منه في خلال الكلام كفواً، وهدراً، وإذا قال له غيره: لي عليك كذا وكذا، فقال: نعم كان ذلك منه إقراراً ملزماً للمال، واختلف الكلام لاختلاف المحل كذا هنا.

وقال الحاكم الشهيد رحمه الله في «إشاراته» : إن هذه المسألة، فرع مسألة أخرى: أن أبا حنيفة رحمه الله يعتبر في شروط جواز الصلاة أدناها حتى قال: لو حنى ظهره للركوع ولم يعتدل جاز، وإذا سجد بأنفه دون جبهته وإن رفع رأسه بين السجدتين أدنى الرفع جاز ووقع الفصل.

وإن قرأ في صلاته آية قصيرة جاز عنده، فجعل هذا أصلاً من أصول أبي حنيفة وخرج المسائل عليه، وعد هذه المسألة من جملتها، وقاس الخطبة بالصلاة بأدنى الأذكار والأركان، فالخطبة أولى.

وعن أبي يوسف رحمه الله أن الإمام إذا عطس على المنبر، وقال: الحمد لله، ثم نزل وصلى بالناس جازت صلاته، وكان حمده خطبة، ثم رجع، وقال: لا يكون خطبة، ومن المشايخ من قال: إذا عطس على المنبر وحمد الله تعالى، إذا نوى به الخطبة كان خطبة، وإذا نوى حمد العاطس لا يكون خطبة، وكذا فيما إذا أتى بتسبيحة إنما تجزئه عن الخطبة إذا نوى به الخطبة.

وهو نظير من حمد الله تعالى عند الذبح أجزأه عن الذبح إذا نوى به التسمية، وإن لم ينو به التسمية لا يجزئه، ولو خطب وهو جنب أو محدث ثم اغتسل أو توضأ وصلى بهم الجمعة أجزأه وهذا مذهبنا.

وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله بناءً على أن عند الشافعي الخطبة تقوم مقام ركعتين من الصلاة، وعندنا ليس كذلك بدليل ما ذكرنا من الأحكام.

<<  <  ج: ص:  >  >>