الركوع محل التكبيرات العيد، فلو قدمنا الثناء على التكبيرات لا تفوت التكبيرات عن محلها، ولو قدمنا التكبيرات على الثناء فات الثناء عن محله، فكان تقديم الثناء أولى.
قوله: فإنه يفوت الضم في حق التكبيرات، قلنا: كما يفوت الضم في حق التكبيرات يفوت قي حق الثناء إذا قدم التكبيرات على الثناء؛ لأن سبيل الثناء أن يكون مضموماً إلى تكبيرة الافتتاح، فإذا هو يستويان في حق تفويت الضم، ثم بتقدم الثناء على التكبيرات، لا يفوت التكبيرات عن محلها ووقتها كما ذكرنا، وبتقديم التكبيرات على الثناء يفوت الثناء عن محلها فصار تقديم الثناء أولى.
قال أبو يوسف رحمه الله: يكبر تكبيرة الافتتاح ثم يأتي بالثناء ثم يتعوذ ثم يكبر تكبيرات العيد، وقال محمد رحمه الله: (١٠٦ب١) يتعوذ بعد تكبيرات العيد، وبه قال الشافعي رحمه الله ذكر الاختلاف في «الزيادات» ولم يذكر هناك قول أبي حنيفة رحمه الله وروى ابن كاس عن أبي حنيفة، وزفر مثل قول أبي يوسف، وهذا الاختلاف إنما يتأتى على ظاهر الرواية؛ لأن على ظاهر الرواية يقدم الثناء على تكبيرات العيد، أما على رواية ابن كاس يقدم تكبيرات العيد على الثناء، فيقع التعوذ بعد الثناء عند أبي يوسف رحمه الله.
ثم هذه المسألة بناءً على أصل أن التعوذ شرع للصلاة أم للقراءة؟ عند محمد رحمه الله شرع للقراءة، فلا جرم يأتي به وقت القراءة، ووقت القراءة بعد تكبيرات العيد، وعند أبي يوسف رحمه الله شرع للصلاة فلا جرم يأتي به بعد الثناء قبل تكبيرات العيد احتج محمد رحمه الله بالنص، وهو قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَنِ الرَّجِيمِ} (النحل: ٩٨) الله تعالى أمر بالتعوذ حال إرادة القراءة متصلاً بالقراءة؛ لأنه ذكر بحرف الفاء وحرف الفاء للوصل، وإذا أخر التعوذ عن التكبيرات يحصل الوصل بالقراءة، وإذا قدم على التكبيرات يفوت الوصل، فوجب أن يؤخر التعوذ عن التكبيرات حتى لا يفوت الوصل.
وأبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله؛ قالا: إن محل التعوذ عقيب الثناء، بلا فصل كما في سائر الصلوات، ومحل التكبيرات بعد الافتتاح إلى أن يرفع رأسه من الركوع، فلو قدمنا التكبيرات على التعوذ يفوت التعوذ عن محله، ولو قدمنا التعوذ على التكبيرات لا تفوت التكبيرت عن محلها، ولا التعوذ عن محله، فكان تقديم التعوذ وتأخير التكبيرات أولى، قوله سبيل التعوذ أن يكون متصلاً بالقراءة.
قلنا: وسبيله أن يكون متصلاً بالثناء أيضاً، فلو أخر التعوذ عن التكبيرات كما يفوت الاتصال بالقراءة يفوت الاتصال بالثناء، فكان تقديم التعوذ كيلا يفوت واحد منهم عن محله أولى من تقديم التكبيرات على التعوذ.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : يستحب المكث بين كل تكبيرتين مقدار ما يسبح ثلاث تسبيحات، وهذا؛ لأن صلاة العيد تقام بجمع عظيم وتوالي بين التكبيرات يشتبه على من كان نائباً عن الإمام، والاشتباه يزول بهذا القدر من المكث، وليس بين التكبيرات ذكر مسنون عندنا؛ إذ لو كان بينهما ذكر مسنون، لكان أتى به النبي عليه السلام، ولو أتى به لوصل إلينا ولم ينقل.
ويرفع يديه في تكبيرات الزوائد في العيدين، وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يرفع لحديث ابن مسعود رضي الله عنه «أن النبي عليه السلام كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا في تكبيرة الافتتاح» .
وجه قولهما قوله عليه السلام: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن، وذكر منها العيدين» ؛ ولأن رفع اليدين في تكبيرة الافتتاح إنما شرع ليتم الإعلام؛ لأن الإعلام لا يتم بالجهر وحده؛ لأن خلفه أصم وأعمى، فالأعمى إن كان يعلم بجهر التكبير فالأصم لا يعلم إلا برفع اليدين.
فالشرع شرع رفع اليدين حتى يقع الإعلام على العموم، فكذا في تكبيرات العيد لا يقع الإعلام على العموم إلا بالجهر والرفع جميعاً بخلاف تكبيرات الركوع والسجود؛ لأن الإعلام على العموم يقع بالجهر، والانتقال من القيام إلى الركوع، فلا حاجة إلى رفع اليدين ليتم الإعلام وبخلاف تكبيرات الجنازة؛ لأنه شرع بين كل تكبيرتين ذكر مقدر، فإذا فرغ منها يعلم أنه جاء أوان الآخر، فلا حاجة إلى رفع اليدين كما في تكبيرات الركوع.
أما هنا ليس بين التكبيرتين ذكر مسنون مقدر حتى يعلم بالفراغ منه أنه جاء أوان الآخر، فيحتاج إلى رفع اليدين هنا ليتم الإعلام، وما قال الحسن أنه يسبح بين كل تكبيرتين مقدار ثلاث تسبيحات ليس بمقدر لازم، بل يتفاوت بكثرة القوم وبقلته لأن المقصود إزالة الاشتباه عن القوم، وذلك يختلف بكثرة القوم وقلتهم، وإذا صلى العيد خلف إمام لا يرى رفع اليدين عند تكبيرات الزوائد فقد قيل يرفع هو.