قال القدوري في «كتابه» : تصح صلاة العيدين بما تصح به صلاة الجمعة إلا الخطبة، فإنها في العيد تفعل بعد الصلاة، وفي الجمعة قبل الصلاة، وقوله: وتصح صلاة العيدين بما تصح به الجمعة إشارة إلى اشتراط المصر والسلطان، والأصل فيه قول النبي عليه السلام:«لا جمعة ولا تشريق ولا فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع» ، وروي عن النبي عليه السلام «أنه فتح مكة في رمضان وخرج منها إلى هوازن، فاتفق له العيد في سفره ولم يصل» ولو جاز إقامتها خارج المصر ما تركها، والمعنى الذي أوجب اعتبار السلطان في الجمعة من دفع الفتنة الموهومة، وقطع المنازعة موجود في العيد.
ثم قال: إلا الخطبة فإنها في العيد بعد الصلاة، وفي الجمعة قبل الصلاة، هكذا جرى التوارث من لدن رسول الله عليه السلام إلى يومنا هذا، وإن خطب في العيد أولاً ثم صلى أجزأه.
والأصل في ذلك ما روي: أن عمر رضي الله عنه ربما كان يخطب في العيد قبل الصلاة كيلا يذهب الناس، فيفوتهم ثواب الخطبة ومروان بن الحكم فعل كذلك، وصلى معه نفر من أصحاب رسول الله عليه السلام.
فرق بين العيد وبين الجمعة، فإن في الجمعة لو خطب آخراً لا يجوز، والفرق: إنما يصير التغيير بالترك في الموضعين جميعاً، إلا أنه لو ترك الخطبة في صلاة الجمعة لا يجوز، فكذا إذا غير عن موضعها، ولو ترك الخطبة في صلاة العيد تجوز صلاة العيد، فكذا إذا غير عن موضعها والخطبة في العيدين كهي في الجمعة، يخطب خطبتين بينهما جلسة خفيفة كما في صلاة الجمعة، به ورد الأثر عن رسول الله عليه السلام، ويقرأ فيها بسورة من القرآن ويستمع لها القوم؛ لأن الخطبة في العيد إنما شرعت؛ لتعليم ما يجب إقامته في هذا اليوم من صدقة الفطر، أو الأضحية، وإنما يحصل التعليم بالاستماع والإنصات، والخروج إلى الجبانة لصلاة العيد سنّة، وإن كان يسعهم المسجد الجامع على هذا عامة المشايخ.
وبعضهم قالوا: الخروج إلى الجبانة ليس سنّة، وإنما تعارف الناس ذلك لضيق المسجد، والصحيح ما عليه عامة المشايخ: أنهم لا يخرجون عن المصر، بل يقيمونها في فناء المصر؛ لأن المصر شرط جواز هذه الصلاة وفناء المصر من المصر.
ألا ترى أن أفنية البيوت كأجوافها فكذا فناء المصر كجوفه، أما ما زاد على فناء المصر ليس من المصر، فلهذا قال يقيمونها في فناء المصر ثم إذا خرج الإمام إلى الجبانة، لصلاة العيد وإن استخلف رجلاً يصلي بالضعفة في الجامع، فحسن كما فعل