على ما مر، ولو كان خلف الإمام حقيقة يكبر تكبير ابن عباس فكذا إذا جعل في الحكم كأنه خلف الإمام.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» أيضاً: ولو أن رجلاً فاتته ركعة في صلاة العيد مع الإمام، وقد كبر الإمام تكبير ابن مسعود رضي الله عنه ووالى بين القراءتين، وهذا الرجل يرى تكبير ابن مسعود أيضاً، فلما سلم الإمام وقام الرجل يقضي ما فاته، فإنه يبدأ بالقراءة ثم بالتكبير، هكذا ذكر في عامة الروايات.
وذكر في «نوادر الصلاة» لأبي سليمان رحمة الله عليه: أنه يبدأ بالتكبير ثم يقرأ، فمن مشايخنا رحمهم الله من قال: ما ذكر في عامة الروايات جواب الاستحسان، وما ذكر في «النوادر» جواب القياس.
ومنهم من قال: في المسألة روايتان. وقال الكرخي رحمه الله: ما ذكر في عامة الروايات جواب الاستحسان قول محمد رحمه الله، وما ذكر في «النوادر» قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله، بناءً على أن ما أدرك المسبوق مع الإمام أول صلاته عند محمد وما يقضيه آخر صلاته.
وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ما أدرك المسبوق مع الإمام آخر صلاته وما يقضيه أول صلاته وأنكر بعض مشايخنا رحمهم الله هذا الخلاف، وقالوا: لا رواية عن أصحابنا على هذا الوجه، وإنما نصب الكرخي الخلاف على هذا الوجه مقتضى ما ذكره محمد رحمه الله من المسائل، والمسائل متعارضة، ولكن هذا ليس بصحيح.
فالخلاف على هذا الوجه منصوص في «النوادر» ، ولأجل هذا الخلاف وضع المسألة فيما إذا كان الإمام والمقتدي يريان تكبير ابن مسعود رضي الله عنه ولا تكبير ابن عباس رضي الله عنهما ولا تكبير علي رضي الله عنه، حتى يختلف الجواب متى اعتبر ما يقضي أول صلاته أو آخر صلاته؛ لأن ابن مسعود يقدم التكبيرات في أول الصلاة ويؤخرها في آخر الصلاة، وابن عباس رضي الله عنهما يقدم التكبيرات في الركعتين فيبدأ بالتكبير بالإجماع اعتبر ذلك أول صلاته أو آخر صلاته، وعلي رضي الله عنه يؤخر التكبيرات عن القراءة في الركعتين فيبدأ بالقراءة بالإجماع اعتبر ذلك أول صلاته أو آخر صلاته.
فإن كانت المسألة المذكورة هنا على الاختلاف الذي ذكره الكرخي رحمه الله فتخريجها ظاهر؛ لأن عند محمد رحمه الله ما يقضي المسبوق آخر صلاته، ومن مذهب ابن مسعود رضي الله عنه البداية في القراءة في آخر الصلاة.
وعندهما ما يقضي المسبوق أول صلاته، ومن مذهب ابن مسعود رضي الله عنه البداية بالتكبير في أول الصلاة.
وإن كانت المسألة على الروايتين كما ذهب إليه بعض المشايخ القياس والاستحسان كما ذهب إليه بعض المشايخ.
فوجه القياس: وهو إحدى الروايتين أن ما يقضي المسبوق أول صلاته حكماً وآخر صلاته حقيقة؛ لأن ما أدرك مع الإمام أول صلاته حقيقة وآخر صلاته حكماً من حيث إن الأول اسم لفرد سابق فيكون ما أدرك مع الإمام أولاً في حقه حقيقة، ومن حيث إنه آخر في حق الإمام؛ لأن الآخر اسم لفرد لاحق، فيكون آخراً في حقه حكماً تحقيقاً للتبعية وتصحيحاً للاقتداء؛ لأن بين أول الصلاة وآخرها مغايرة من حيث الحكم، فإن القراءة فرض في الأوليين نفل في الأخريين.
والمغايرة تمنع صحة الاقتداء، ولما صح الاقتداء علمنا أن ما أدرك اعتبر آخراً في حقه حكماً إن كان أولاً حقيقة، وإذا كان ما أدرك مع الإمام آخراً في حقه حكماً أولاً حقيقة كان ما يقضي أولاً في حقه حكماً آخراً حقيقة والعمل بالحقيقة والحكم في حق التكبيرات متعذر لما بينهما من التنافي فلا بد من اعتبار أحدهما وإلغاء الآخر.
فنقول: اعتبار الحكم أولى؛ لأن الحكم قاضي على الحقيقة فسقط اعتبار الحقيقة شرعاً، ولهذا اعتبر الحكم في حق القنوت حتى لو قنت مع الإمام فيما أدرك يكون معتداً به حتى لا يقنت فيا يقضي.
وجه الاستحسان: أن الأمر كما قلتم إنما يقضي المسبوق أول صلاته حكماً وآخر