للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاصل الاختلاف بيننا وبين الشافعي رحمه الله على ما هو المشهور من قوله راجع إلى أن التكبير في أول يوم النحر بأي علةٍ شرعت فإن التكبير في أول يوم النحر مشروع بالإجماع.

فعند علمائنا رحمهم الله شرع؛ لأنه يوم اختص بركن من أركان الحج وهو طواف الزيارة فإنه يجوز فيه ولا يجوز قبله (١٠٩ب١) ، فشرع التكبير فيه ليكون علماً على أنه وقت ركن من أركان الحج.

وعند الشافعي شرع فيه؛ لأنه يوم اختص بتبع من توابع الحج وهو الرمي فإن رمي جمرة العقبة مشروع فيه، وليس بمشروع قبله، فشرع التكبير فيه ليكون علماً على أنه وقت رمي الجمر، فنحن عللنا بما عللناه إلى يوم عرفة؛ لأن يوم عرفة يوم اختص بركن من أركان الحج، وهو الوقوف بعرفة وهو عدل بما علل إلى ثلاثة أيام التشريق؛ لأنه اختص هذه الأيام بتبع من توابع الحج وهو الرمي، فرجح الشافعي علته وقال: التكبير تبع من توابع الحج، وليس من أركان الحج فكان جعله علماً على ما شرع تبعاً من توابع الحج أولى من جعله علماً على ما شرع ركناً من أركان الحج.

وعلماؤنا رحمهم الله رجحوا عليتهم فقالوا: متى عللنا بما قلنا فقد علقنا التكبير بما علقه الشرع به بيقين، ومتى عللنا بما قاله الشافعي رحمه الله فما علقنا التكبير بما علقه الشرع به بيقين.

بيانه: أن في الركن تبع وزيادة لأن الركن يستتبع التبع أما التبع لا يستتبع الركن فمتى علقنا التكبير بالركن والتبع موجود فيه فقد علقناه بما علقه الشرع به بيقين ومتى علقناه بالتبع والركن لا يوجد في التبع فما علقناه بما علقه الشرع به بيقين لأنه يحتمل أن الشرع علقه بالركن والركن لم يوجد في التبع فكان ما قلناه أولى. وقد صح عن رسول الله عليه السلام برواية جابر رضي الله عنه «أنه صلى الفجر يوم عرفة وكبر» فصار تعليلنا مؤيداً بخبر رسول الله عليه السلام فكان أولى، هذا هو الكلام في البداية.

وأما الكلام في القطع والنهاية فأبو حنيفة رحمه الله رجح قول ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأن شرعية التكبير في أول يوم النحر لكونه مختصاً بركن من الحج ولم توجد هذه العلة في اليوم الثاني من يوم النحر، وهما رجحا قول علي رضي الله عنه فقالا: تعليل الأصل كما يجوز بعلة واحدة فيجوز بعلتين، فنحن نقول شرعية التكبير في أول يوم النحر معلولة بما قلنا وبما قاله الشافعي رحمه الله، وإحدى العلتين موجودة في هذه الأيام بعد يوم النحر فصحت التعدية.

ومحمد رحمه الله ذكر في «الكتاب» : ليرجح قولهما فقال: لما اختلف أصحاب رسول الله عليه السلام في التكبيرات عقيب الصلوات كان الأخذ بقول علي رضي الله عنه، وفيه زيادة تكبير أولى؛ لأنه إن كان كبر وليس عليه ذلك أولى من أن يترك وعليه

<<  <  ج: ص:  >  >>