للصلاة، وترك الانحراف عن القبلة والثبات عليها في موضعه وفي غير موضعه غير مفسدة للصلاة؛ وهذا لأن نص الأصل الفساد بالانحراف مطلقاً في عموم الأحوال وإنما ترك نص هذا الأصل في صلاة الخوف مقيداً بأوانه، وقد بينا أوان الانحرف لكل واحد من الطائفتين، فبقي ما عداه على نص الأصل، أما ترك الانحراف عن القبلة والثبات عليها في موضع الانحراف عمل بالأصل وتمسك بما هو عزيمة، فلا يصلح مفسداً لكن يوجب الانتباه لمخالفة الجماعة أو السنّة.
الأصل الثاني: أن من أدرك الشطر الأول فهو من الطائفة الأولى، ومن أدرك الشطر الثاني فهو من الطائفة الثانية؛ لأن صلاة الخوف تقام بطائفتين لكل طائفة شطر من الصلاة، وللصلاة شطران، والتي يقام بها الشطر الأول يجعل من الطائفة الأولى، والتي يقام بها الشطر الثاني يجعل من الطائفة الثانية.
والأصل الثالث: أن المقتدي يتبع رأي الإمام لا رأي نفسه؛ لأنه بالاقتداء به ألزم متابعته، فيترك رأيه برأي الإمام إلا إذا تيقن بخطأ الإمام على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى، والمنفرد يتبع رأي نفسه؛ لأنه أصل بنفسه، ولم يلتزم متابعة غيره، والمسبوق فيما يقضي منفرد واللاحق كأنه خلف الإمام.
إذا عرفنا هذه الأصول جئنا إلى المسائل: قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : إذا صلى الإمام المغرب صلاة الخوف جعل الناس طائفتين، وصلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة على ما بينا، فلو أنه أخطأ وصلى بالطائفة الأولى ركعة، وبالطائفة الثانية ركعتين ظناً منه أن المعتبر قسمة القراءة، ثم سلم الإمام وذهبت الطائفة الثانية، وجاءت الطائفة الأولى، فصلاة الإمام تامة؛ لأنه لم ينزح عن مكانه حتى أتم صلاته.
وصلاة الطائفتين فاسدة، أما الطائفة الأولى، فلأنهم انحرفوا بعد الركعة الأولى، وهذا ليس أوان انحرافهم، وأما الطائفة الثانية فهو من الطائفة الأولى؛ لأنهم أدركوا شيئاً من الشطر الأول إلا أنهم مسبوقون بركعة، فكان ينبغي لهم أن ينحرفوا عقيب الركعة الثانية غير أن ترك الانحراف والثبات على القبلة لا تفسد الصلاة وإن كان في غير موضعه إلا أنهم انحرفوا عن القبلة بعد سلام الإمام. وهذا أوان انصرافهم إلى القبلة لا أوان انحرافهم ففسدت صلاتهم، حتى لو لم ينحرفوا لا تفسد صلاتهم.
فإن صلى بالطائفة الأولى ركعة فانحرفوا، ثم جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم ركعة ثم انحرفوا ثم عادت الطائفة الأولى، فصلى بهم الركعة الثالثة، ثم انحرفوا، ثم عادت الطائفة الثانية، فقضوا الركعتين ثم جاءت الطائفة الأولى، فصلاة الإمام تامة لما ذكرنا.
وصلاة الطائفة الأولى فاسدة، لأنهم انحرفوا عن القبلة في غير أوانه وهو ما بعد الركعة الأولى، ففسدت صلاتهم فحين جاؤوا وصلوا مع الإمام الركعة الثالثة، فقد بنوا تلك الركعة على تحريمة فاسدة، والبناء على الفاسد فاسد.
وصلاة الطائفة الثانية جائزة؛ لأنهم من الطائفة الأولى، وقد انحرفوا في أوانه وهو ما بعد الركعة الثانية، فصحت صلاتهم، وعليهم أن يقضوا الركعة الثالثة أولاً بغير قراءة؛ لأنهم مدركون الثالثة، ثم يقضون الأولى بقراءة؛ لأنهم مسبوقون في حق الأولى، فلو أن الطائفة الأولى حين انصرفوا للركعة الثالثة جددوا التكبير والتحريمة، وصلوا الركعة الثالثة جازت صلاتهم؛ لأنهم الطائفة الثانية في الحقيقة، وقد انحرفوا في أوانه، فإذا رجعوا فعليهم أن يصلوا ركعتين بقرءاة؛ لأنهم مسبوقون فيهما. [
فإن جعل الإمام الناس ثلاث طوائف، وصلى بتلك الطائفة ركعة، ثم عادت الطائفة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فصلاة الإمام تامة لما مر، صلاة الطائفة الأولى فاسدة لما قلنا، صلاة الطائفتين جائزة، أما الطائفة الثانية، فلأنهم الطائفة الأولى في الحقيقة، وقد انحرفوا في أوانه، ويقضون الركعة الثالثة أولاً بغير قراءة؛ لأنهم مدركون لها، ويقضون الركعة الأولى بقراءة؛ لأنهم مسبوقون فيها، وأما الطائفة الثالثة فإنهم في الحقيقة هم الطائفة الثانية، وقد انحرفوا في أوانه، وهو