ما به من العجز على وجه الزوال، إذا كان مستلقياً لو قدر على القعود، فقعد كذلك كان وجهه إلى القبلة، ولو قدر على القيام، فقام كذلك كان وجهه إلى القبلة فهذا أولى، ثم إذا أومأ فإنه يومىء بالرأس، فإن عجز عن الإيماء بالرأس لم يصل عندنا.
ثم اختلف المشايخ بعد هذا، قال بعضهم: إن دام العجز أكثر من يوم وليلة سقطت عنه الصلاة، وإن زال قبل ذلك لا تسقط، وقال بعضهم: لا تسقط وإن دام أكثر من يوم وليلة حتى إنه إذا برأ يلزمه القضاء، ولو مات قضى عنه ورثته.
وقال بعضهم: تسقط مطلقاً من غير فصل، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله. وعن أبي يوسف أن المريض إذا عجز عن الإيماء بالرأس يومىء بعينه ولا يومىء بقلبه، وعن أبي حنيفة أنه لم يجز للإيماء بالعينين، وسئل محمد رحمه الله، عن ذلك فقال: لا أشك أن الإيماء بالرأس يجوز، ولا أشك أن الإيماء بالقلب لا يجوز، وأشك في الإيماء بالعين أنه هل يجوز؟
وإذا افتتح الصلاة المكتوبة بالإيماء ثم قدر على القعود، واستقبل الصلاة قاعداً؛ لأن الصلاة قاعداً أقوى من الصلاة بالإيماء، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، وكذلك إذا كان يصلي قاعداً بركوع وسجود ثم قدر على القيام يستقبل الصلاة عند محمد رحمه الله؛ لأن عنده الصلاة قاعداً أضعف من الصلاة قائماً حتى لم يجز اقتداء القائم بالقاعد ابتداء على ما مر، فكذلك لا يجوز البناء هنا، وعندهما يتم الصلاة قائماً.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : في الرجل يصلي تطوعاً وقد افتتح الصلاة قائماً ثم يضنى لا بأس بأن يتوكأ على عصا وهنا مسألتان: مسألة في القعود ومسألة في الاتكاء.
أما مسألة القعود فهي على وجهين: فإن قعد بعذر يجوز؛ لأن في المكتوبة إذا قعد بعذر يجوز ففي النافلة أولى، وإن قعد بغير عذر، فقال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز، وقال أبو يوسف، ومحمد رحمهما الله: لا يجوز.
وجه قولهما: أن الشروع يلزم كالنذر، ثم لو نذر أن يصلي قائماً، وافتتح قائماً ثم قعد لم يجزه كذلك هنا.
وجه قول أبي حنيفة رحمه الله: أنه كان في الابتداء مخيراً بين أن يصلي التطوع قاعداً، وبين أن يصليها قائماً، فيبقى هذا الخيار إلى الانتهاء؛ لأن حكم الانتهاء أشمل من حكم الابتداء. ألا ترى أن الحدث يمنع ابتداء الصلاة، ولا يمنع البقاء.
وما يقولان بأن الشروع ملزم. قلنا: الشروع ليس بملزم بعينه إنما صار ملزماً ليبقى ما باشر (١١٤أ١) قربة وما باشر من القيام يبقى قربة، وإن لم يقم فيما بقي؛ لأن التطوع قاعداً قربة مع القدرة على القيام بخلاف النذر؛ لأنه ملزم بنفسه من حيث التسمية، على أنا نقول: بأن الشروع إنما يلزم ما شرع فيه، وما لا ينفصل عنه، وأما ما ينفصل عما شرع فيه لا يلزمه، ألا ترى لو أنه نوى أربع ركعات، فسلم على رأس الركعتين لم يلزمه شيء آخر على ظاهر الرواية؟ لأن الشفع الأول ينفصل عن الشفع الثاني، فكذلك هنا