القيام من الأول ينفصل عن القيام في الثاني بخلاف النذر؛ لأنه التزم له ذكراً.
وأما مسألة الاتكاء فهو على وجهين أيضاً: إن اتكأ بعذر تجوز صلاته من غير كراهة؛ لأن في الاتكاء تنقيص القيام، ولو ترك جميع القيام من غير عذر يجزئه عند أبي حنيفة رحمه الله فالتنقيص لا يكره، وعندهما ترك جميع القيام بعدما شرع قائماً لا يحزئه فتنقيصه يكره.
وبعض مشايخنا رحمهم الله قالوا: على قول أبي حنيفة رحمه الله: يجب أن يكره الاتكاء بخلاف القعود، فإنه إذا قعد بعدما افتتح قائماً لا يكره عند أبي حنيفة رحمه الله.
ووجه ذلك: أن في الابتداء هو مخير بين أن يفتتح التطوع قائماً وبين أن يفتتحه قاعداً، فيبقى هذا الخيار في الانتهاء، فيجوز القعود من غير كراهة أما في الابتداء غير مخير بين أن يصلي متكئاً، وبين أن يصلي غير متكىء، بل يكره له ذلك لما فيه من سوء الأدب وإظهار التجبر، وكذلك في الانتهاء، وقد صح أن رسول الله عليه السلام «دخل المسجد، فرأى حبلاً ممدوداً فسأل عن ذلك فقيل: إن فلانة تصلي بالليل ما نشطت فإذا أعيت اتكأت به فقال عليه السلام: فلانة تصلي بالليل ما نشطت فإذا أعيت نامت» مع هذا تجوز الصلاة لوجود أصل القيام.
هذا كله في التطوع، فأما في المكتوبة لا يجوز ترك القيام بالقعود من غير عذر، وكذلك يكره تنقيص القيام من عذر، وإن فعل ذلك جازت صلاته لوجود أصل القيام.
وإذا افتتح التطوع قاعداً وأدى بعضها قاعداً، ثم بدا له أن يقوم فقام، وصلى بعضها قائماً أجزأه عندهم جميعاً، أما عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله لا يشكل؛ لأن عندهما التحريمة المنعقدة للقعود منعقدة للقيام بدليل أن المريض إذا افتتح المكتوبة قاعداً، ثم قدر على القيام جاز له أن يقوم ويصلي بقية الصلاة قائماً لهذا المعنى، أن التحريمة المنعقدة للقعود منعقدة للقيام، وإنما يشكل هذا على مذهب محمد رحمه الله؛ لأن عنده التحريمة المنعقدة للقعود لا تكون منعقدة للقيام، حتى أن المريض إذا قدر على القيام في وسط الصلاة فسدت صلاته عنده مع هذا قال: هنا تجوز صلاته.
وفي المريض لا تجوز صلاته، والفرق لمحمد رحمه الله، وهو أن في المريض ما كان قادراً على القيام وقت الشروع في الصلاة، فما انعقدت تحريمته للقيام، فأما هنا في صلاة التطوع كان قادراً على القيام، فانعقدت تحريمته للقيام، فلو أنه افتتح التطوع قاعداً فكلما جاء أوان الركوع قام وقرأ ما بقي من القراءة وركع جاز، وهكذا ينبغي أن يفعل إذا صلى التطوع قاعداً لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام «كان يفتتح