للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما تظهر ثمرة هذا الخلاف فيما إذا أغمي عليه عند الضحوة ثم أفاق من الغد قبل الزوال بساعة، فهذا أكثر من يوم وليلة من حيث الساعات، فلا قضاء عليه في قول أبي يوسف رحمه الله، وفي قول محمد رحمه الله يجب عليه القضاء؛ لأن الصلوات لم تزدد على الخمس. هذا الذي ذكرنا إذا ألم الإغماء فلم يفق إلى تمام يوم وليلة وزيادة، فإن يفيق ساعة ثم يعاوده الإغماء لم يذكر محمد رحمه الله هذا في «الكتاب» ، وإنه على وجهين: إن كان لإفاقته وقت معلوم نحو أن يخف مرضه عند الصبح فيفيق قليلاً، ثم تعاوده الحمى فيغمى عليه، فهذه إفاقة معتبرة تبطل حكم ما قبلها من الإغماء إن كان أقل من يوم وليلة.

فأما إذا لم يكن لإفاقته وقت معلوم، لكنه يفيق بغتة فيتكلم بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه بغتة فهذه الإفاقة غير معتبرة، ألا ترى أن المجنون قد يتكلم في جنونه بكلام الأصحاء، ولا يعد ذلك منه إفاقة، كذا ذكره شمس الأئمة الحلواني رحمه الله.

وفي «المنتقى» : المجنون يعيد صلاة يوم وليلة إذا كان مجنوناً في ذلك، وإن كان أكثر من يوم وليلة فلا قضاء عليه يعني لا قضاء عليه فيما زاد على يوم وليلة.

بيانه: فيما روى أبو سليمان عن محمد رحمه الله: إذا جن حين دخل في الظهر، ثم أفاق من الغد عند العصر، فليس عليه قضاء الظهر؛ لأن الظهر زائد على صلاة يوم وليلة، وإذا جن قبل الزوال، ثم أفاق من يومه قبل غروب الشمس يعيد الظهر والعصر.

قال: وإذا كان بجبهته جرح لا يستطيع السجود عليه لم يجزئه الإيماء، وعليه أن يسجد على أنفه؛ لأن الأنف مسجد كالجبهة، وإن لم يسجد على أنفه، وأومأ لم تجزئه صلاته؛ لأنه ترك السجود مع الإمكان عليه فلا يجزئه.

قال في «الأصل» : ويكره للمومىء أن يرفع إليه عوداً أو وسادة ليسجد عليه، لما روي أن النبي عليه السلام «دخل على مريض يعوده، فوجده يصلي كذلك، فقال: «إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا أومىء برأسك» ، وأن ابن مسعود رضي الله عنه دخل على أخيه يعوده فوجده يصلي، ويرفع إليه عوداً فيسجد عليه فينزع ذلك من يد من كان في يده وقال: «هذا شيء عرض لكم الشيطان أومىء لسجودك» فإن فعل ذلك ينظر إن كان يخفض رأسه للركوع ثم للسجود أخفض من الركوع جازت صلاته (١١٤ب١) وإن كان لا يخفض رأسه ولكن يوضع شيء على جبهته لم تجز صلاته؛ لأنه لم يوجد السجود ولا الإيماء.

ثم اختلفوا أن هذا يعد سجوداً وإيماءً، قال بعضهم: هو سجود، وقال بعضهم: هو إيماء، وهو الأصح. فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض فكان يسجد عليها جازت صلاته، فقد صح أن أم سلمة رضي الله عنها كانت تسجد على برقعة موضوعة بين يديها لعلة كانت بها، ولم يمنعها رسول الله عليه السلام من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>