للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القدوري في «كتابه» : والمريض إذا فاتته صلوات فقضاها في حالة الصحة فعل كما يفعله الأصحاء؛ لأن تحصيل الركن بكماله فرض في الأصل، وإنما سقط حالة الأداء للعذر، فإذا لم يؤد حتى صح ظهرت فرضية الأداء بتحصيل الأركان بأكمل الوجوه. وإن فاتته في الصحة، فقضى في المرض صلى بالإيماء؛ لأن فرض الوقت يجوز أداؤه مع الإيماء، فكذا القضاء لفقه أن التكليف يعتمد الوسع، وهو في حالة المرض يكلف على القضاء، كما كلف على الأداء وليس في وسعه أكثر من هذا فسقط ما عجز عنه في القضاء لهذه الضرورة، كما سقط في الأداء.

وإذا شرع في الصلاة وهو صحيح، ثم عرض له مرض بنى على صلاته على حسب الإمكان، لأنه يؤدي البعض كاملاً والبعض ناقصاً، وإنه أولى من أن يستقبل ويؤدي الكل ناقصاً، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه يستقبل إذا صار إلى الإيماء.

ولو شرع وهو معذور ثم صح فإن كان الشروع بركوع وسجود بنى في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله، وقال محمد رحمه الله: يستقبل، وإن كان الشروع بالإيماء ثم قدر على الركوع والسجود فإنه يستقبل، وقال زفر رحمه الله: يبني.

فالكلام مع محمد رحمه الله بناءً على أصل، وهو أن المنفرد يبني آخر صلاته على أول صلاته، كما أن المقتدي يبني صلاته على صلاة الإمام، ففي كل فصل جوزنا الاقتداء به يجوز البناء هنا وإلا فلا.

وعند محمد رحمه الله القائم لا يقتدي بالقاعد، فكذا لا يبني في حق نفسه، وعندهما القائم يقتدي بالقاعد فكذلك يبني في حق نفسه. والكلام مع زفر رحمه الله بناءً على هذا الأصل أيضاً، فمن أصله أنه يجوز اقتداء الراكع بالمومىء.

وعندنا لا يجوز، فكذا البناء في حق نفسه، وإن نزع الماء من عينه، وأمر أن يستلقي أياماً على ظهره، ونهي عن القعود والسجود أجزأه أن يصلي مستلقياً مومياً، وعلى قول مالك، والشافعي رحمهما الله: لا يجوز، هما احتجا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن طبيباً قال له: بعدما كف بصره لو صبرت أياماً مستلقياً صحت عينك فشاور عائشة وأبا هريرة وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فلم يرخصوا له في ذلك، وقالوا: أرأيت لو مت في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك؟ فترك ذلك وصلى بركوع وسجود.

والمعنى فيه: وهو أنه إنما تجوز الصلاة بالإيماء للمريض إذا عجز عن القيام والركوع والسجود وهذا ما عجز عن القيام والركوع والسجود فلا يجزئه الإيماء. وعلماؤنا رحمهم الله قالوا: إن حرمة الأعضاء كحرمة النفس، ولو كان قاعداً يخاف على نفسه الهلاك بسبب العدو، أو بسبب السبع فصلى مستلقياً بالإيماء جاز، فكذا إذا خاف على عينيه، ولأن من به رمد شديد فكان إذا وضع جبينه على الأرض ازداد وجعه واشتد، وإنه يومىء لسجوده ويجزئه ذلك فكذلك ههنا، ولأن الرمد من أشد الأوجاع فلا يختلف عن

<<  <  ج: ص:  >  >>