ونوع من المعنى يدل عليه وهو أن الميت في صلاة الجنازة بمنزلة الإمام للقوم إنه لا تجوز الصلاة بدونه، وشرط تقديمه على القوم كالإمام، وطهارة الإمام شرط لجواز صلاة القوم فكذا طهارة الميت؛ لأنه بمعنى الإمام، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: الجنازة متبوعة وليست بتابعة، ولأن ما بعد الموت حالة عرضٍ على الله تعالى، ورجوع إليه فوجب تطهيره بالغسل تعظيماً لله تعالى.
ولهذا يسن غسل الكافر، وإن كان لا يصلي تعظيماً لله تعالى: لأنه حالة عرضٍ عليه ورجوع إليه، وبه وردت السنّة في حق الكافر لما روي «أن النبي عليه السلام أمر علياً رضي الله عنه بغسل أبي طالب» .
ثم اختلف المشايخ في علة وجوب غسل الميت، قال أبو عبد الله البلخي في «تفسير المجرد» : إنما وجب غسله لأجل الحدث لا لنجاسة ثبتت بالموت؛ لأن النجاسة التي تثبت بالموت لا تزول بالغسل كما في سائر الحيوانات التي لها دم سائل إذا تنجست بالموت، فإنها لا تطهر بالغسل، والحدث مما يزول بالغسل حالة الحياة، فكذا بعد الوفاة، ونجاسة الميت لا تزول بالغسل.
علمنا أن غسل الميت شرع لإزالة الحدث لا لإزالة نجاسة الموت، ولأن الآدمي لا ينجس بالموت، وإن وجد احتباس الدم في العروق كرامة له بخلاف سائر الحيوانات، لكن يصير محدثاً؛ لأن الموت سبب استرخاء المفاصل وزوال العقل قبل الموت، وإنه حدث، فكان يجب أن يكون مقصوراً على أعضاء الوضوء كما في حالة الحياة لأن في حالة الحياة القياس: أن يجب غسل جميع البدن كما في الجنابة لا أنه سقط غسل جميع البدن، واكتفي بغسل الأعضاء الأربعة نفياً للحرج؛ لأنه يتكرر في كل يوم.
ألا ترى أن الجنابة لما لم تتكرر لم يكتف فيها بغسل الأعضاء الأربعة وكذلك الحيض لما لم يتكرر لم يكتف فيه بغسل الأعضاء الأربعة، والحدث بسبب الموت لا يتكرر فوجوب الغسل في جميع البدن لا يؤدي إلى الحرج، فأخذ بالقياس بعد الموت، والقياس يوجب غسل جميع البدن.
وكان الشيخ أبو عبد الله الجرجاني وغيره من مشايخ العراق يقولون: الغسل وجب لنجاسة الموت لا بسبب الحدث؛ لأن الآدمي له دم سائل، فيتنجس بالموت، والدليل على أنه يتنجس بالموت أن المسلم لو وقع في بئر ماء ومات فيها، فإنه يتنجس ماء البئر كلها حتى يجب نزح جميع البئر، وكذلك لو احتمل ميتاً قبل الغسل، وصلى معه لا تجوز