الصلاة، ولو كان الغسل واجباً لإزالة الحدث لا غير لكان تجوز الصلاة مع الميت قبل الغسل، كما لو احتمل محدثاً، وصلى معه.
والدليل عليه: أن الميت لا يمسح برأسه ولو كان الغسل للحدث لسن المسح على رأسه كما في الجنب؛ لأن الحدث يزول بالمسح على الرأس، فدل أن الغسل واجب لإزالة نجاسة ثبتت بالموت كرامة للآدمي بخلاف سائر الحيوانات. وهذا القول أقرب إلى القياس؛ لأنه قال: بثبوت النجاسة بعد وجود علتها، وهو احتباس دم السائل في العروق. وقال: يزول بالغسل.
والغسل أثر في إزالة النجاسة كما في حالة الحياة إن لم يكن له أثر في إزالة نجاسة الموت في سائر الحيوانات سوى الآدمي، فكان ما قاله موافقاً للقياس من كل وجه في حق ثبوت النجاسة بعد وجود علتها، وفي الزوال بالغسل موافقاً للقياس من وجه وهو الاعتبار بحالة الحياة إن كان مخالفاً للقياس باعتبار سائر الحيوانات، وما قاله البلخي مخالفاً للقياس من كل وجه، وهو المنع عن ثبوت النجاسة مع قيام العلة الموجبة للنجاسة فإما لم نجد سبب نجاسته لا يعمل في التنجس في الآدمي حالة الحياة كرامة له، فكذا بعد الوفاة، ولا شك أن ما هو أقرب إلى موافقة القياس أولى.
قسم آخر في بيان كيفية الغسل
ذكر أبو حنيفة عن حماد بن إبراهيم رحمهم الله أنه قال: يجرد الميت إذا أريد غسله، وقال الشافعي رحمه الله: السنّة أن يغسل في قميص واسع الكمين حتى يدخل الغاسل يده في الكمين، ويغسل يديه، فإن كان الكمين ضيقاً خرق الكمين.
حجته: بما روي عن النبي عليه السلام «حين توفي غسل في قميصه الذي عليه» ، وما كان سنّة في حق النبي عليه السلام يكون سنّة في حق غيره حتى يقوم دليل التخصيص؛ ولأن الميت متى جرد يطلع الغاسل على جميع أعضائه، وربما يطلع على عورته، وقبل الموت كان يكره الاطلاع عليه، فكذلك بعد الموت حقاً للميت بخلاف حالة الحياة. لأنه يجرد نفسه بنفسه، فلا يطلع عليه غيره.
وعلماؤنا احتجوا بما روت عائشة رضي الله عنها: أن النبي عليه السلام لما توفي أجمعت الصحابة رضوان الله عليهم لغسله، فقالوا: لا ندري كيف نغسله. يغسل كما نغسل موتانا أو نغسله وعليه ثيابه؟ فأرسل الله تعالى عليهم النوم فما منهم أحد إلا نام وذقنه على صدره إذ ناداهم منادي أن اغسلوا نبيكم عليه السلام وعليه قميصة ولا تنزعوا.
فقد اجتمعت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أن السنّة في سائر الموتى التجريد، والمعنى فيه وهو أن هذا غسل واجب فلا يقام مع الثياب اعتباراً بحالة الحياة،