والرواية الأولى محمولة على ما إذا وضع على الدابة كوضع الأمتعة، ولا يصلى على صبي وهو على الدابة أو على أيدي الرجال حتى يوضع؛ لأن الميت بمنزلة الإمام، ولا يصلح أن يكون الإمام محمولاً، والقوم على الأرض، ولا ينبغي أن يرجع من تبع جنازة حتى يصلي عليه.
نوع آخرمن هذا الفصل في الصلاة على الجنازة
هذا النوع ينقسم أقساماً.
الأول: في نفس الصلاة وصفتها، فنقول: الصلاة على الميت مشروعة بالكتاب والسنّة وإجماع الأمة.
أما الكتاب فقوله تعالى:{وَصَلّ عَلَيْهِمْ}(التوبة: ١٠٣) والسنّة تأتي في خلال المسائل إن شاء الله تعالى، والأمة أجمعت عليها.
ومن صفتها أنها فرض كفاية. إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، أما كونها فرضاً فلأن الله تعالى أمر بها لقوله:{وَصَلّ عَلَيْهِمْ} والأمر للوجوب، وقال عليه السلام:«صلوا على كل بر وفاجر» والأمر للوجوب، وأما كونها فرض كفاية؛ لأنها تقام حقاً للميت فإذا قام بها البعض صار حقه مؤداً فيسقط عن الباقين كالتكفين والغسل.
القسم الثاني: في كيفية الصلاة على الميت فنقول: يتقدم الإمام، ويصطف الناس خلفه كما في سائر الصلوات؛ ولأن التوارث هكذا من لدن رسول الله عليه السلام إلى يومنا هذا.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : يقوم الإمام عند الصلاة بحذاء الصدر من الرجل ومن المرأة هذا هو جواب ظاهر الرواية، وهذا لأن الواجب استقبال الميت، واستقبال حملته غير ممكن، فوجب استقبال الصدر؛ لأن الصدر موضع القلب، والقلب موضع الحكمة والعلم، ولأنه موضع نور الإيمان قال الله تعالى:{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَمِ}(الزمر: ٢٢) ... عليه، فكان الوقوف بحذاء الصدر الذي هو موضع نور الإيمان أولى.
وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه يقوم بحذاء الوسط من الرجل ومن المرأة. إلا أن الميت إذا كان امرأة فليكن إلى رأسها أقرب، وإنما قال: يقوم بحذاء الوسط لما روي عن النبي عليه السلام «أنه كان يقوم على جنازة المرأة والرجل بحذاء الوسط» ، وعن سمرة بن جندب أن رسول الله عليه السلام «صلى على امرأة، ماتت في نفاسها فقام وسطها» ، وإنما قال: إذا كان الميت امرأة، فليكن إلى رأسها أقرب ليكون