فإن نوى أن يصلي على الجنازة الثانية بهذه التحريمة لا يخلو إما أن ينوي الصلاة عليها جميعاً، وفي هذا الوجه تتم الصلاة على الأولى، ويستقبل الصلاة على الثانية؛ لأنه لم يخرج عن الأولى متى نوى البقاء عليها، وإذا لم يخرج عن الأولى لا يصير شارعاً في الثانية، وكذلك إذا لم ينوِ شيئاً، أو نوى الثانية، ولم يكبر لها، وفي هذين الوجهين أيضاً يتم الصلاة على الأولى، ويستقبل الصلاة على الثانية. أما إذا لم ينو شيئاً فظاهر، وأما إذا نوى الثانية ولكن ما يكبر لها؛ فلأن بمجرد النية لا يصير خارجاً من الأولى (١٢١أ١) شارعاً في الثانية ما لم يقرنه بالعمل.
وإن نوى الصلاة على الثانية لا غير، وكبر لها يتم الصلاة على الثانية، ويستقبل الصلاة على الأولى؛ لأنه لما نوى الصلاة على الثانية لا غير، وكبر لها صار شارعاً فيها، ومن ضرورة كونه شارعاً فيها أن لا يبقى داخلاً في الأولى. كذا قال محمد رحمه الله في «نوادر الصلاة» .
القسم الثالث في بيان من يصلى عليه، ومن لا يصلى عليه
فنقول: لا يصلى على الكافر لقوله تعالى: {وَلاَ تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَسِقُونَ}(التوبة: ٨٤) ، وروي أنه لما مات أبو طالب جاء علي رضي الله عنه إلى رسول الله عليه السلام وقال: إن عمك الضال قد مات فقال عليه السلام: «اغسله وكفنه وادفنه وما تحدث به حدثاً حتى تلقاني» ، أي: لا تصلِ عليه؛ ولأن الصلاة على الميت دعاء واستغفار له، والاستغفار للكافر حرام قال الله تعالى:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ}(التوبة: ٨٠) ، وصلي على كل مسلم مات بعد الولادة لما تلونا من الكتاب، لا البغاة وقطاع الطريق، فإنه لا يصلى عليهم.
وقال الشافعي: يصلى عليهم؛ لأنهم مسلمون، وقال عليه السلام:«صلوا على كل بر وفاجر» .
ولنا: أن الصلاة دعاء واستنزال الرحمة، ونص القرآن يشهد لقطاع الطريق بالخزي قال الله تعالى:{إِنَّمَا جَزَآء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الاْرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الاْرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الاْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة: ٣٣) وحلول الخزي به ينافي الدعاء له، وكذلك البغاة؛ لأنهم يسعون في الأرض بالفساد وقطاع الطريق.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه لم يصلِ على قتلى نهروان وغيرهم من البغاة.