للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفوراً» قوله عليه السلام: «كل ولد يولد على الفطرة» يحتمل أنه أراد به على الخلقة التي خلق الله تعالى قبل الولادة، فإن بعض اليهود كانوا يقولون: إن الولد قبل الولادة يكون على خلاف ما يكون بعد الولادة، فأبطل ذلك بهذا.

أو يحتمل أنه أراد به على الدين الذي دان يوم الميثاق، فإن الله تعالى خاطب ذرية آدم صلوات الله عليه بعدما أخرجهم من صلبه كالذر، وأعطاهم العقول بعضهم بيض وبعضهم سود، فقال لهم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَفِلِينَ} (الأعراف: ١٧٢) ، فقالوا كلهم: بلى، إلا أن البيض قالوا: عن اعتقاد، والسود قالوا عن خوف. فالذين قالوا عن اعتقاد يموتون مسلمين، والذين قالوا عن غير اعتقاد يموتون كافرين، فيحتمل أن مراد النبي عليه السلام من هذا الكلام ذاك أي يولد كل مولود على ما دانه يوم الميثاق، وهذا مذهب أهل السنّة والجماعة.

وقوله: يهودانه أو ينصرانه معناه يستتبعانه في الدين، وقوله: إما شاكراً معناه مسلماً، وقوله: إما كفوراً معناه كافراً.

وأما إذا لم يسب معه أحد أبوية صلي عليه إذا مات، ويعتبر مسلماً تبعاً للدار عند انعدام تبعية الأبوين.

والصبي إذا وقع في يد المسلم من الجند في دار الحرب وحده، ومات هناك صلي عليه، واعتبر مسلماً تبعاً لصاحب اليد عند انعدام تبعية الأبوين، ويستوي الجواب فيما قلنا إذا كان الصبي عاقلاً، أو غير عاقل؛ لأنه قبل البلوغ تابع للأبوين في الدين ما لم يصف الإسلام.

وقوله في المسألة الأولى: إذا سبي معه أبوان لم يصلِ عليه حتى يقر بالإسلام، وهو يعقل، فهذا يدل على أن الصبي إذا أسلم وهو يعقل إنه يصير مسلماً، وهذا مذهبنا، والمسألة معروفة في «السير» .

وقوله: يعقل الإسلام يعني: يعقل صفة الإسلام، وهذا يدل على أن من قال: لا إله إلا الله لا يكون مسلماً حتى يعلم صفة الإيمان، وكذلك إذا اشترى جارية واستوصفها صفة الإسلام، فلم تعلم فإنها، لا تكون مؤمنة، وصفة الإسلام ما ذكر في حديث جبريل صلوات الله عليه: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره من الله تعالى.

ومما يتصل بهذه المسألة

أن أولاد المسلمين إذا ماتوا حال صغرهم قبل أن يعقلوا يكونون في الجنة، فإن فيهم أحاديث كثيرة أكثرها من المشاهير، وبالأحاديث تبين أنهم قالوا: بلى يوم أخذ

<<  <  ج: ص:  >  >>