للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو يوسف والشافعي رحمهما الله: ولي الميت أولى بالصلاة على الميت على كل حال، حجة أبي يوسف والشافعي قول الله تعالى: {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوجُهُ أُمَّهَتُهُمْ وَأُوْلُو الاْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَبِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَبِ مَسْطُوراً} (الأحزاب: ٦) من غير فصل، ولأن هذا حكم تعلق بالولاية، فيكون الولي مقدماً على السلطان ومن سميناهم قياساً على النكاح؛ ولأن المقصود من صلاة الجنازة الدعاء للميت والشفاعة، ودعاء القريب أرجى في الإجابة؛ لأنه أشفق على الميت، فيوجد منه زيادة تضرع في الدعاء والاستغفار لا يوجد ذلك من السلطان، فيكون هو أولى.

حجة أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله: أنه لما مات الحسن بن علي رضي الله عنهما خرج الحسين والناس لصلاة الجنازة، فقدم الحسين سعيد بن العاص، وكان سعيد والياً بالمدينة يومئذٍ، فأبى سعيد أن يتقدم فقال له الحسين: تقدم ولولا السنّة ما قدمتك، ولأن هذه صلاة تقام لجماعة فيكون السلطان أولى بإقامتها قياساً على سائر الصلوات.

فإن اجتمع للميت قريبان هما في القرب إليه على السواء بأن كان له أخوان لأب وأم أو لأب، فأكبرهم سناً أولى، لأن النبي عليه السلام أمر بتقديم الأسن، فإن أراد الأكبر أن يقدم إنساناً ليس له ذلك إلا برضا الآخر؛ لأن الحق لهما استوائهما في القرابة لكنا قدمنا الأسن للسنّة، ولا سنّة في تقديم من قدمه، فيبقى الحق لهما كما كان، وإن كان أحدهما لأب وأم، والآخر لأب، فالذي لأب وأم أولى، وإن كان أصغر، وإن قدم الأخ لأب وأم غيره، فليس للأخ لأب أن يمنعه عن ذلك؛ لأنه لا حق للأخ لأب أصلاً.

وإن اجتمع للميت ابن وأب، ذكر في «كتاب الصلاة» أن الأب أولى، من مشايخنا من قال: ما ذكر في كتاب الصلاة قول محمد رحمه الله، فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله الابن أولى، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله الولاية لهما إلا أنه يقدم الأب احتراماً له، ورد هذا القائل هذه المسألة إلى مسألة النكاح.

ومسألة النكاح على هذا الخلاف، فإنه إذا اجتمع للمجنونة أب وابن، فالابن أولى عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند محمد الأب أولى، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله الولاية لهما إلا أنه يقدم الأب احتراماً له.

ومنهم من قال: لا بل ما ذكر في صلاة الجنازة أن الأب أولى قول الكل؛ لأن للأب زيادة فضيلة وسن ليس للابن، وللفضيلة أثر في استحقاق الإمامة فيرجح الأب بذلك بخلاف النكاح؛ لأنه لا أثر للفضيلة هناك في إثبات الولاية، فلا يثبت الترجيح به، ونص هشام في «نوادره» عن محمد عن أبي حنيفة أن الأب أولى من الابن.

وإذا اجتمع للميت أب وأخ، فالأب أولى بالإجماع، قال القدوري: وسائر القرابات أولى من الزوج، وكذا مولى العتاقة وابنه، وهذا مذهبنا.

وقال الشافعي رحمه الله: الزوج أولى حجته في ذلك ما روي أنه لما ماتت امرأة ابن عباس رضي الله عنهما صلى عليها، وقال: أنا أحق بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>