والمعنى: أن فيه صيانة الميت عن الضياع. وفي بعض «النوادر» عن محمد رحمه الله أنه قال: ينبغي أن يكون مقدار العمق إلى صدر رجل وسط القامة، قال: وكل ما ازداد فهو أفضل. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: يعمق القبر صدر رجل، وإن عمقوا مقدار قامة الرجل فهو أحسن. والله أعلم، وبه ختم.
نوع آخر في الكافر يموت وله ولي مسلم
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : كافر مات وله ولي مسلم قال: يغسله ويتبعه ويدفنه.
وقال في «الأصل» : كافر مات وله ابن مسلم فما ذكر في «الأصل» خاص، وما ذكر في «الجامع الصغير» : عام فإن اسم الولي يتناول كل قريب، وهذا؛ لأن الغسل سنّة الموتى من بني آدم على سبيل العموم على ما مر لكن الغسل في حق المسلم يكون تطهيراً، وفي حق الكافر لا يكون تطهيراً. والولد المسلم مندوب إلى بر والده، وإن كان مشركاً قال الله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(العنكبوت: ٨) والمراد به الوالد المشرك بدليل قوله تعالى: {وَإِن جَهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(لقمان: ١٥) الآية، ومن الإحسان والبر في حقه القيام بغسله ودفنه بعد موته، ولما مات أبو طالب قال عليه السلام لعلي: اذهب واغسله وكفنه، وواره ولا تحدث به حدثاً حتى تلقاني أي لا تصل عليه.
وفي «السير الكبير» : سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما: أن أمي ماتت نصرانية فقال: اتبع جنازتها واغسلها وكفنها، ولا تصلي عليها وادفنها، وإن الحارث بن أبي ربيعة ماتت نصرانية فتتبع جنازتها في نفر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وقد صح أن رسول الله عليه السلام خرج في جنازة عمه أبو طالب، وكان يمشي ناحية منها.
والحاصل: أنه إذا كان خلف جنازة الكافرين من قومه من يتبع الجنازة لا ينبغي لقريبه المسلم أن يتبع الجنازة حتى لا يكون مستكثراً سواد الكفرة، ولكن يمشي ناحية منها. وإن لم يكن خلف الجنازة من قومه الكافرين يتبعها، فلا بأس للمسلم أن يتبعها، وهذا التفصيل منقول عن محمد رحمه الله.
ولا يغسل الكافر كما يغسل المسلم يريد به أنه لا يراعى في حقه سنّة الغسل من البدائة بالميامن وغير ذلك، ولكن يصب الماء عليه على الوجه الذي تغسل النجاسات، وكذلك لا يراعى في حقه سنّة الكفن، ولكن يلف في ثوب، وكذلك لا يراعى في حقه، شبه اللحد في حقه ولكن تحفر له حفيرة، ولا يوضع فيه بل يلقى، وهذا؛ لأن مراعاة السنّة في هذه الأشياء بحق المسلم.