للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه أربعاً، وجعل له لحداً، وأدخله القبر من قبل القبلة، وجعل قبره مسنماً، وضرب عليه فسطاطاً. ولأن تربيع القبر تشبه بصنيع أهل الكتاب، والتشبيه بصنيعهم فيما لنا مستند مكروه؛ ولأن التربيع في الأبنية للإحكام، ونختار في القبور ما هو أبعد عن الإحكام. وتأويل حديث (١٢٢ب١) إبراهيم بن رسول الله سطح قبره أولاً ثم سنم.

وإن خيف ذهاب أثره فلا بأس برش الماء عليه بلا خلاف، وإنما الخلاف فيما إذا لم يخف ذهاب أثره، ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يكره، وعن أبي يوسف أنه يكره. وإن خيف مع ذلك، فلا بأس بحجر توضع أو آجر، فالظاهر لا يكره على الظاهر، وقد وضع رسول الله عليه السلام على قبر أبي دجانة حجراً وقال: هذا لأعرف به قبر أخي.

وفي «كتاب الآثار» عن محمد: لا أرى أن يزاد في تراب القبر على ما خرج، ولا أرى برش الماء عليه بأساً، ولا يجصص ولا يطين، روي عن أبي حنيفة رحمه الله، وهكذا ذكر الكرخي في «مختصره» .

وفي «طهارات النوازل» : أنه لا بأس به، وعن أبي يوسف أنه كره أن يكتب عليه كتاباً وكره أبو حنيفة رحمه الله البناء في القبر وأن يعلم بعلامة. قالوا: وأراد بالبناء السقط الذي يجعل على القبور في ديارنا، وقد روي عن أبي حنيفة رحمه الله في رواية أخرى النهي عن السقط. ويكره أن يوضأ على القبر يعني بالرجل أو يقعد عليه أو يقضي عليه حاجة، ويكره أن يصلي عنده، وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: لا ينبغي أن يصلي على ميت بين القبور، وإن صلوا أجزأهم.

قال القدوري: وذوي الرحم المحرم أحق بإدخال المرأة القبر من غيره، وفي «نوادر» إبراهيم عن محمد رحمهما الله: الأخوال أحق بدخول القبر من بني الأعمام يريد به دخول قبر المرأة، وبنو الأعمام أحق من الزوج ومن أخ الرضاعة.

ولا يدفن الرجلان أو أكثر في قبر واحد، وعند الضرورة لا بأس به، ويقدم في اللحد أفضلهما، وجعل بينهما حاجز من الصعيد، فقد صح أن رسول الله عليه السلام أمر في شهداء أحد بأن يدفن الاثنين والثلاثة منهم في قبر واحد، وكانت الحالة حالة الضرورة.

فالأنصار يومئذٍ أصابهم قروح وجهد شديد فشكوا إلى رسول الله عليه السلام، وقالوا: الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال عليه السلام: «أعمقوا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة، فقالوا: من نقدم، فقال عليه السلام: قدموا أكثرهم قرآناً» .

وإن احتاجوا إلى دفن المرأة والرجل في قبر واحد قدم الرجل في اللحد، وفي الجنازة تقدم المرأة على الرجل ليكون الرجل إلى الرجل أقرب، والمرأة عنه أبعد. ثم في قوله عليه السلام: «أعمقوا» دليل على أن السنّة في القبر أن يعمق؛ لأن هذا أمر بالتعميق.

<<  <  ج: ص:  >  >>