وفي «المنتقى» : ابن سماعة عن أبي يوسف في روثة رطبة وقعت في بئر قال: ليستقى منها عشرون دلواً، وإن وقعت وهي يابسة فابتلت وتفرقت فكذلك، وإن أخرجت يابسة فلا شيء وعن الحسن بن زياد رحمهما الله في السرقين والبعر والأخثاء إذا وقع في الماء لم يتوضأ منه وهو قول أبي يوسف ما خلا البعرة اليابسة.
وقال أبو حنيفة رحمه الله في اليابس من البعر يقع في الإناء أو البئر لا بأس به إذا كانت واحدة أو اثنتين، وإن كان كثيراً أفسد، وإن كان رطباً فقليله وكثيره يفسد، وهذه الرواية توافق ما ذكرنا من رواية أبي يوسف.
والسرقين قليله وكثيره يفسد. وقال أبو يوسف رحمه الله: إلا أني استحسن شيئاً لا أحفظه عن أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا كان يسيراً لا يفسده. وعن ابن المبارك عن أبي حنيفة رحمه الله في الأبعار الرطبة وبول ما يؤكل لحمه: إذا وقع في البئر يفسد الماء.
وإذا حلب شاة أو ضأناً فوقع بعره في المحلب حكي عن المتقدمين من المشايخ أنهم توسعوا في ذلك، إذا رمي من ساعته، وهكذا ذكر الحاكم الشهيد في «المنتقى» والمتأخرون اختلفوا فيه.
وإذا وقع في البئر خرء الحمام أو خرء العصفور لا يفسده، وهذا مذهبنا لما روي عن ابن مسعود رضي الله أنه ذرق عليه حمامة فأخذ حصاة ومسح بها وصلى ولم يغسل، وهكذا روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ولأن هذا الحيوان يذرق من الهواء فلا يمكن التحرز عن خرئه.
وهنا لو جعلناه مانعاً جواز الصلاة ضاق الأمر على الناس وبهذا الحرف يقع الفرق بين خرء هذه الحيوانات وبين خرء الدجاج لأن الدجاج لا يذرق من الهواء، فيمكن التحرز عن خرئه فلو جعلناه مانعاً جواز الصلاة لا يضيق الأمر عن الناس.
وأما خرء البط فقد ذكر القاضي صدر الإسلام رحمه الله في «شرح الجامع الصغير» وذكر الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الصلاة أن البط صنفان: صنف يعيش فيما بين الناس ولا يطير كالدجاج فيمكن التحرز عن خرئه فيكون الجواب فيه كالجواب في الدجاج.
وصنف لا يعيش فيما بين الناس ويطير ويذرق من الهواء فلا يمكن التحرز عن خرئه فيكون الجواب فيه كالجواب في الحمام والعصفور.