للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو وقع في البئر أكثر من فأرة واحدة فالمروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ينزح عشرون دلواً إلى الأربع. فإذا كانت خمساً ينزح أربعون إلى التسع، فإذا كانت عشراً ينزح ماء البئر كلّه. وعن محمد رحمه الله: أن الفأرتان كفأرة والثلاث كالحمامة.

وإذا توضأ رجل في بئر وصلى إماماً ثم وجد فيها فأرة ميتة أو دجاجة ميتة فإن علم وقت وقوعها يعيد الوضوء والصلاة من ذلك الوقت بالإجماع؛ لأنه علم أنه صلى بغير وضوء، والصلاة بغير وضوء لا تجوز. أما إذا لم يعلم وقت وقوعها فالقياس أن لا يجب عليه إعادة شيء من الصلاة ما لم يتيقن أنه توضأ منها وهو فيها، سواء وجدها منتفخة متفسخة أو لا. وبه أخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إلا أن حنيفة رحمه الله استحسن وقال: إن وجدها منتفخة متفسخة يعيد صلاة ثلاثة أيام ولياليها، وإن وجدها غير منتفخة يعيد صلاة يوم وليلة.

قال بشر قال أبو يوسف: كان قولي قول أبي حنيفة حتى رأيت يوماً في بستاني حدأة في منقارها فأرة ميتة طرحتها في بئر الماء فرجعت عن قوله. وفي «الإملاء» قال أبو يوسف: الفأرة كانت ميتة منتفخة ألقاها صبي ساعتئذٍ فلا يعيد (١٤أ١) الصلاة حتى يعلم أنه توضأ وهي فيها، وكذلك ما عجن من العجين بذلك الماء، القياس أن لا بأس بأكله ما لم يعلم أنه عجن به وهي فيه، وبه أخذ محمد رحمه الله، وفي الاستحسان: إن كانت منتفخة متفسخة لا يؤكل ما عجن من ذلك منذ ثلاثة أيام.

وإن كانت غير منتفخة لا يؤكل ما عجن من ذلك منذ يوم، وبه أخذ أبو حنيفة. عن أبي يوسف رحمه الله روايتان: في «الأصل» قوله كقول محمد، وفي «الإملاء» كقول أبي حنيفة.

وجه القياس: أنا تيقنا بطهارة الماء في الأصل وتيقنا بنجاسته في الحال وشككنا في نجاسته من قبل (أنه) إن وقعت وهي منتفخة لا تكون النجاسة ثابتة من قبل، وإن وقعت وهي حيّة ثم ماتت وانتفخت كانت النجاسة ثابتة من قبل فلا تثبت نجاسته من قبل بالشك.

وجه الاستحسان: أن الماء سبب لموت الحيوان الدموي فيه فيضاف إليه، وإن احتمل الموت بغيره كمن جرح إنساناً ومات يحال بالموت على الجرح وإن احتمل الموت بغيره غير أنه كما وقع لا يموت فلا بد من التقدير بشيء، فقدرنا الوقوع والموت بلا انتفاخ بيوم وليلة لأن له حكماً في باب الصلاة من سقوط الترتيب وغيره، ولأن ما دونه ساعات لا يمكن التقدير بها، وقدرنا الوقوع والموت مع الانتفاخ بثلاثة أيام ولياليها لأن الانتفاخ لا يحصل بيوم واحد غالباً ويحصل بثلاثة أيام، ألا ترى أن الميت إذا دفن قبل الصلاة عليه يُصلى عليه في القبر إلى ثلاثة أيام، ولا يجوز بعدها لأن الصلاة شرعت على البدن لا على الأعضاء، وقبل الثلاث البدن لا يتفرق وبعد الثلاث يتفرق.

وإن رأى في ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته، ستأتي هذه المسألة في كتاب الصلاة مع ما فيها من اختلاف الروايات إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>