وفي «المنتقى» : إبراهيم عن محمد: لو ماتت فأرة في ماء في طست ثم صب ذلك الماء في بئر ينزح عشرون دلواً وهو قول أبي يوسف رحمه الله، وذكر بعد هذه المسألة: لو ماتت فأرة في حُبّ فأريق في البئر ماء الحب، قال محمد رحمه الله ينزح من البئر أكثر من عشرين دلواً وكما في الحب من الماء، وعن أبي يوسف رحمه الله روايتان: في رواية قال: ينزح مثل ماء الحب وثلاثون دلواً، وقال في رواية أخرى ينزح مثل ماء الحب وعشرون.
ثم في كل موضع وجب نزح جميع الماء ينزح حتى يغلبهم ماؤه ولم يقدر أبو حنيفة رحمه الله في الغلبة شيء وإنما يعمل فيه بغالب الظن، وهذا أصل ممهد له في مسائل كثيرة هكذا ذكر «القدوري» ، ومعنى المسألة: أنه إذا وجب نزح جميع الماء وأخذوا في النزح فكلما نزحوا نبع من أسفله مثل ما نزحوا أو أكثر، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: عليهم أن ينزحوا مقدار ما يغلب على ظنهم أنه جميع ما كان فيه عند ابتداء النزح، وعنه في «النوادر» أنه ينزح منها مائتان، وفي رواية مائة، فإذا نزحوا هذا المقدار يحكم بطهارة البئر، وعن محمد رحمه الله في «النوادر» روايتان: في رواية قال: مائتا دلو أو ثلاثمائة. وفي رواية قال: مائتان وخمسون. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ينزح مقدار ما كان فيها من الماء، وقيل في طريق معرفة ذلك أن يرسل قصبة في البئر ويُعلّم على مبلغ الماء علامة ثم ينزح منها دلاء فينظر كم انتقص فينزح بقدر ذلك، وقيل: ينظر إلى عمق البئر وعرضه ثم يحفر حفرة مثل ذلك ثم ينزح الماء من البئر ويصبّ في تلك الحفيرة فإذا امتلأت الحفيرة علم أنهم نزحوا مقدار ما كان فيها.
وعن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام: أنه ينظر إلى ماء البئر رجلان لهما بصارة في أثر الماء، فأي مقدار قالا إنه في البئر فإنه ينزح في ذلك المقدار، وهذا القول يريب بما حكينا من قول أبي حنيفة رحمه الله في الابتداء.
ثم إذا وجب نزح جميع الماء فلم ينزح حتى زاد الماء فقد اختلف المشايخ فيه:
قال بعضهم: ينزح مقدار ما كان في البئر وقت وقوع النجاسة وقال بعضهم: مقدار ما فيه وقت النزح، وكذلك اختلفوا في التوالي في النزح: فبعضهم شرطوا التوالي، وبعضهم لم يشترطوا، ثم على قول من لا يشترط التوالي إذا نزح بعض الماء في اليوم وتركوا النزح ثم جاؤوا من بعد فوجدوا الماء قد ازداد فعند بعضهم ينزح كل ما فيه وعند بعضهم: مقدار ما بقي عند ترك النزح من الأمس.
ثم عند بعض المشايخ يعتبر في كل بئر دلو ذلك البئر، وقال القدوري في «كتابه» : يعتبر الدلو المعتاد الوسط. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قدره بما يسع صاعاً ليتمكن كل أحد من النزح من رجل أو امرأة أو صبي.
ولو جاؤوا بدلوٍ عظيم يسع عشرين دلواً بدلوهم فاستقوا به جاز. قال القدوري: وهو أحب إليّ، وقال زفر والحسن بن زياد: لا يجوز، هما يقولان: الطهارة معلقة بعدد معلوم شرعاً بخلاف القياس فيراعى عين ما ورد به النص.