ولنا: أن النزح إنما وجب لمجاوزة بعض الماء الواقع في البئر، وفي حق هذا المعنى لا فرق بين أن يؤخذ ذلك بدلو عظيم واحد أو بعشرين دلواً بل هذا المعنى في الدلو العظيم أظهر لأن الفضل العائد إلى البئر منه أقل فلهذا قال: وهو أحبّ إليّ.
وإذا نزح الماء وحكم بطهارة البئر حكم بطهارة الدلو والرشاء؛ لأن نجاستهما كانت بنجاسة البئر، فطهارتهما تكون بطهارة البئر، ألا ترى أن الخمر التي في الحب إذا صارت خلاً وحكم بطهارته يحكم بطهارة الحب تبعاً، وكذلك إذا غسل يده النجس من قمقمه وحكم بطهارة اليد يحكم بطهارة العروة بطريق التبعية.
قال في «القدوري» : وإذا جفت البئر ونضب ماؤها ثم عاد لم يطهر إلا بالنزح في قول أبي يوسف لأن الطهارة معلقة بالنزح بالآبار، وقال محمد رحمه الله تطهر بالجفاف لأن النزح ما كان واجباً لعينه وإنما كان ليذهب ما جاور النجاسة من الماء، وهذا المعنى في الجفاف أبين، وإذا نزح الماء وبقي الدلو الأخير؛ إن كان في الماء ولم ينح عن رأس الماء لا يجوز التوضؤ من ماء البئر وإن خرج من البئر ونحي عن رأس الماء إلا أنه لم يصب بعد جاز التوضؤ من البئر، وإن نحي عن رأس الماء إلا أنه لم ينح عن رأس البئر لم يجز التوضؤ من البئر في قول أبي يوسف رحمه الله حتى ينحى عنها. وقال محمد رحمه الله يجوز، وذكر الحاكم قول أبي حنيفة مع قول أبي يوسف وليس بمشهور. وجه قول محمد: أن الطهارة موقوفة على إخراج هذا القدر من الماء وقد وجد ما يعود إليه من القطرات عفواً بالإجماع، فلا يتغير به الحكم، ولأبي يوسف رحمه الله أن الماء النجس متصل بالبئر حكماً بدليل أن التقاط لا تصير دلواً والاتصال لا يفسد ماء البئر لوقوع النجس في البئر فصار بقاء الاتصال حكماً كبقائه حقيقة وذلك يمنع التوضؤ في البئر فكذا الاتصال حكماً.
ذكر الناطفي رحمه الله في «هدايته» : أن حكم النجاسة لا يختلف باختلاف الآبار فيما يطهر البئر الأول يطهر البئر الثاني، كماء النجاسة لو انتقلت من ثوب إلى ثوب آخر لا يختلف حكم إزالتها. هذا لفظ الناطفي.
بيان هذا فيما ذكر في مسألة «الأصل» : إذا وقعت فأرة في البئر وماتت فنزح منها دلو وصب في بئر آخر نزح منها عشرون دلواً لأن ماء هذا الدلو لو كان في البئر الأول لا يطهر البئر الأول إلا بنزح عشرين دلواً كذلك في الثاني.
ولو صب الدلو العاشر في البئر الثاني نزح من الثاني عشر دلاء في رواية أبي سليمان، وفي رواية أبي حفص ينزح أحد عشر دلواً، وهذا ظاهر لأن الدلو العاشر لو كان في البئر الأول لا يطهر إلا بنزح أحد عشر دلواً، كذا في البئر الثاني، وذكر في رواية أبي سليمان أنه ينزح منها عشر دلاء.
ولا فرق بين الروايتين من حيث المعنى؛ لأن مراد أبي سليمان من قوله عشر دلاء ما وراء الدلو العاشر، وهو مقدار ما يطهر به البئر الأول.
ولو وقعت فأرة في بئر، وفأرة أخرى في بئر أخرى، وفأرة أخرى في بئر ثالث، ثم