لا يكون وارداً في الفيافي؛ لأن في الأمصار الأموال محمية بحماية السلطان من وجه، وبحماية المسلمين من وجه، وفي المغاور الأموال تكون محمية بحماية الإمام من كل وجه، فإسقاط حق الأخذ للساعي في الأمصار، وحماية الإمام فيها أقل لا يدل على إسقاط حق الأخذ له في المغارة، وحماية الإمام فيه أكثر.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا مر على العاشر بعض ماله، وقال: ليس لي مال غير هذا، أو قال: لي مال آخر في بلدي إلى تمام النصاب، فالعاشر (لا يأخذ) منه شيئاً (١٤٤أ١) ؛ لأن حق الأخذ للعاشر بسبب الحماية، وجميع النصاب ليس في حمايته، وما دونه الذي في حمايته ليس بسبب لوجوب الزكاة، وبدون الحول لا تجب الزكاة، وكذلك مع قيام الدين، والقول قول المنكر، وقوله أصبته منذ شهر محمول على ما إذا لم يكن في يده مال آخر من جنس هذا المال قد حال عليه الحول؛ لأن حَوَلان الحول على المستفاد ليس بشرط لوجوب الزكاة في المستفاد إذا كان المستفاد من جنس النصاب، إلا إذا كان المستفاد من ثمن الإبل الزكاة عند أبي حنيفة.
وقوله في «الكتاب» : على دين أراد به ديناً له مطالب من جهة العباد، فهو المانع من وجوب الزكاة عندنا، قال: وكذلك إذا قال: أنا أديت زكاته إلى الفقراء، وحلف على ذلك صدق، والمراد من المسألة: أن يدعي الأداء بنفسه من الأموال الباطنة قبل أن يخرجها إلى السفر؛ لأن أداء الزكاة من الأموال الباطنة ما دام صاحبها في المصر، مفوض إلى صاحبها، فإذا ادعى الأداء بنفسه قبل الإخراج، فقد ادعى ماله ذلك، فكان منكراً ثبوت حق الأخذ للساعي من هذا الوجه، فأما إذا ادعى الأداء من الأموال الباطنة بعد الإخراج إلى السفر، فإنه لا يصدق ويكون ضامناً عند علمائنا رحمهم الله؛ لأن صدقات الأموال الظاهرة وصدقات الأموال الباطنة بعد الإخراج إلى السفر يأخذها العاشر، فلو قبلنا قول الناس.... بصنعاء، وكل أحد لا يعجز عن مثل هذه المقالة أي إلى أن لا يوجد صدقة أبداً، إلى هذا المعنى أشار محمد رحمه الله في «الأصل» : ولأنه بالأداء بنفسه أبطل حق الأخذ على الساعي، فيصير ضامناً، وإن قال: دفعتها إلى مصدق آخر، فإن لم يكن في تلك السنة مصدق آخر، وحلف على ذلك قبل قوله.
وفي «الأصل» يقول: إذا جاء بخط الساعي قبل قوله، وكف عنه، شرط في «الأصل» بمجيء الخط للتصديق، وفي «الجامع الصغير» لم يشترط المجيء بالخط، وفرق على رواته «الجامع الصغير» بين الزكاة، وبين الخراج، فإن من عليه الخراج إذا ادعى الأداء إلى عامل آخر في تلك السنة لا يقبل قوله؛ ما لم يأت بخط العامل؛ لأن بدل الخط في الخراج علامة لا ينفك عنها أداء الخراج، وبكذلك يدل الخط في الزكاة، ولو جاء بالخط، ولم يحلف لم يصدق في قياس قول أبي حنيفة، وفي قياس قولهما يصدق بناءً على جواز الشهادة بالخط إذا لم يذكر الحادثة.