للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل جواب عرفته في حق المسلم، فهو الجواب في حق الذمي في هذه الفصول، إذا مر على العاشر ببعض النصاب إذا ادعى أن عليه ديناً، أو لم يحل الحول على ماله، أو ادعى الدفع إلى عاشر آخر، وإنما يفارق الذمي المسلم في مقدار المأخوذ، فإن المأخوذ من المسلم ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر عرف ذلك بأثر عمر رضي الله عنه، فإنه كتب إلى عشاره أن خذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر، وأما الحربي إذا مر على العاشر ببعض النصاب، وقال: لي مال في بلدي إلى تمام النصاب، أو قال: ليس لي مال آخر، فذكر في «الجامع الصغير» أنه لا يأخذ منه شيئاً، وذكر في «الأصل» أنه يأخذ منه العشر، قال مشايخنا: يجب أن يكون الجواب فيه على التفصيل.

إن كانوا يأخذون منا من قليل، فنحن نأخذ منهم من قليل الأموال، وهو تأويل ما ذكر في «الأصل» ، وإن كانوا لا يأخذون منا من قليل المال، فنحن لا نأخذ منهم من قليل الأموال، وهو تأويل ما ذكر في «الجامع الصغير» .

وهذا لأن الأخذ منهم على طريق المجازاة، ألا ترى إلى ما روي أن عشار عمر رضي الله عنه «قالوا: لعمر كم نأخذ مما يمر بنا الحربي؟ فقال عمر: كم يأخذون منا؟ قالوا: العشر، فقال عمر فخذوا: منهم العشر، وفي رواية قال: خذوا منهم مثل ما يأخذون منا، قالوا: فإن لم يعلم كم يأخذون منا؟ قال: خذوا منهم العشر» .

ثم ليس معنى قولنا: إن الأخذ منهم على طريق المجازاة، إن أخذنا بمقابلة أخذتم، وكي يكون ذلك، وإن أخذتم أموالنا ظلم وأخذنا أموالهم حق، وإنما معناه، إذا عاملناهم بمثل ما يعاملوننا به كان ذلك أقرب إلى مقصود الأمان، واتصال التجارات، وإن كان لا يعلم أنهم هل يأخذون منا من قليل المال أو لا يأخذون؟ فنحن لا نأخذ منهم من قليل المال، إما لأن الظاهر أنهم لا يأخذون من قليل المال؛ لأنه يؤدي إلى إخراج المالك، وإنه جور، والظاهر من ملوكهم العدل، أو لأن حق الأخذ للعاشر بطريق الحماية، والمال القليل غير محتاج إلى الحماية؛ لأن السراق لا يقصدون أخذه، وإن قال الحربي: أصبته منذ شهر، أو قال: عليّ دين، فإن كان يعلم أنهم يصدقوننا في هذه الأعذار، فنحن نصدقهم أيضاً، وإن كان يعلم أنهم لا يصدقوننا في هذه الأعذار، فنحن لا نصدقهم أيضاً، وإن كان لا يعلم حقيقة الحال لا يصدقهم، ويأخذ منهم العشر بخلاف الذمي، فإن الذمي يصدق في دعوى هذه العوارض، واختلفت عبارة المشايخ في الفرق.

فعبارة بعضهم أن المأخوذ من الذمي له حكم الزكاة في حق المأخوذ منه؛ لأن تضعيف الزكاة في حق أصل الذمة مشروع كما في صدقة بني تغلب، فلا يتعداه حكم الزكاة فيما وراء التضعيف، وإذا كان للمأخوذ حكم الزكاة في حق الذمي راعى فيه أحكام الزكاة، بل له حكم أصلاً؛ لأن الزكاة في حق أهل الحرب غير متصور، فلا يتعلق بالمأخوذ حكم الزكاة عوض الحماية، وكل ما في يده محتاج إلى الحماية سواء كان عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>