بيانه: أن العلماء اختلفوا في الأراضي التي فتحت عنوة، ومنّ الإمام عليهم بها، منهم من قال: بأن الأراضي تصير للمسلمين ضرب عليهم الضرائب، وهكذا قالوا: سواد العراق إن جعل السواد بمنزلة العبيد للمسلمين، وجعل أراضيهم ملكاً للمسلمين، وما وضع عليهم، فهو كالضريبة التي يضربها المولى على عبده، وعبيدنا هم أحرار، والأراضي مملوكة لهم، وما يؤخذ منهم، فهو خراج كأهل بلدة من أهل الحرب ما...... مع الإمام على أن نجعلهم رقيق، فإن كان الأمر كما قال علماؤنا رحمهم الله: لا يجوز الزيادة، وإن كان الأمر كما قاله أولئك يجوز الزيادة، ويجوز التحويل؛ لأن للإمام ولاية نقل الجند من وظيفة إلى وظيفة، وأن يزيد على الوظيفة الأصلية، فإذا اجتهد الإمام حول أولئك، وحكم عليهم بالزيادة وبالتحويل، فقد حكم في فعل مجتهد فيه، فلا يكون للثاني أن يبطله بعد ذلك.
وإن افتتح الأراضي بالصلح قبل أن يظهر الإمام عليهم، وباقي المسألة بحاله، فالثاني ينقض فعل الأول؛ لأن فعله فعل في موضع لا يسوغ فيه الاجتهاد، لأن العلماء اتفقوا على أن هؤلاء أحرار، وأموالهم باقية على ملكهم، وليسوا بمنزلة العبيد للمسلمين إذ لم يوجد فيهم سبب الرق، والإمام أعطاهم الأمان بما شرط عليهم من الوظيفة، والتحويل والزيادة عليها تكون غدر بهم بالإجماع، فلم يقبل حكم الأول، فرده الثاني، بخلاف ما إذا فتحت الأراضي عنوة؛ لأن هناك وجد سبب الرق فيهم، وهو القهر والغلبة والاستيلاء، فيأتي الخلاف أن الإمام بالمن جعلهم أحراراً، أو جعلهم عبيداً للمسلمين على نحو ما بينا، الأراضي التي يريد الإمام توظيف الخراج عليها ابتداء، إذا زاد على وظيفة عمر رضي الله عنه على قول محمد، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف يجوز، وعلى قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف لا يجوز، وهو الصحيح للمعنى الذي ذكرنا هذا هو الكلام خراج الوظيفة حيناً إلى خراج المقاسمة، فالتقدير فيه مفوض إلى الإمام، ولكن لا يزاد على نصف الخارج؛ لأن الشرع لم يرد بالزيادة على نصف الخارج.
ثم إن محمداً رحمه الله يعتبر طاقة الأراضي في الخراج، ومعنى الطاقة أن لا يزيد الخراج نصف الخارج؛ لأن الشرع لم يرد بالزيادة على نصف الخارج، إليه أشار في كتابه «العشر والخراج» .
وروى داود بن رشيد عن محمد: في معنى الطاقة أن يترك لكل رجل من أصحاب الأراضي من زرعه ما يقوته، ويقوت عياله، ويذره في أرضه، إلى أن يعود الزرع من قابل، وذكر القاضي الإمام صدر الإسلام معنى الطاقة في أرض الزعفران فقال: ينظر إلى ما خرج من جريب الأرض من الزرع كم قيمته، فإن كان قيمته مائة ينظر إلى الواجب فيه،