الكروم، ولا حصة القراح من الابتداء، فإن كان الكرم كرماً من الابتداء لم يعرف إلا هو كرم، والأرض القراح كذلك كان على الكروم وعلى القراح، فإن كان الكل دراهم يقسم على قدر المنافع، فإن كان موضع الكرم قراحاً في الأصل، ثم جعل كرماً من بعد قسم الخراج على الأرض القراح، فإن الكل كذلك، والله أعلم.
وفي «مجموع النوازل» قال إبراهيم بن يوسف: سألت أبا يوسف عن رجل ارتد، ولحق بدار الحرب، والعياذ بالله، وله كروم، وأرض خراج وورق، ثم رجع مسلماً بعد الحول، والمال قائم، قال: ليس عليه في الدراهم شيء، ويؤخذ منه العشر والخراج. انتهى بيان النوع الأول، وهو خراج الأراضي بيقين.
جئنا إلى بيان النوع الثاني، وهو خراج الروس، فنقول: ترك الكافر في دار الإسلام بالجزية جائز عرف ذلك بالكتاب، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلّم وإجماع الصحابة من بعده.
أما الكتاب بقوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (التوبة: ٢٩) والأمر بقتال الكفرة إلى غاية إعطاء الجزية، فهذا يدلك على أن ترك الكفرة بالجزية جائز.
وأما فعل النبي عليه السلام؛ فلأنه ترك كثيراً من الكفار على الكفر بالجزية.
وأما إجماع الصحابة، فإن عمر رضي الله عنه «بعث حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف لتوظيف خراج الأراضي، والروس بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، وكان إجماعاً» .
بعد هذا يحتاج إلى معرفة من يقبل منه الجزية ومن لا تقبل، وإلى معرفة ما يجب عليهم، وإلى معرفة وقت وجوبه، وإلى معرفة ما يوجب سقوطه وإلى معرفة ما يؤاخذون به بعد صرف الجزية (١٥٣أ١) وقبول عقد الذمة.
أما بيان من تقبل منه الجزية.
فنقول: تقبل الجزية من جميع أهل الكتاب بلا خلاف سواء كانوا من العرب، أو من العجم، ولا تقبل من مشركي العرب، وعبدة الأوثان، والمرتدين بلا خلاف، وتقبل من مشركي العجم من عبدة الأوثان عندنا، وتقبل من المجوسي بلا خلاف، والمسألة تأتي في كتاب «السير» إن شاء الله تعالى.
وأما بيان ما يجب عليهم:
فنقول: أهل الذمة في حق ما يجب عليهم أنواع ثلاثة التغلبي والنصراني من النصارى وسائر أهل الذمة.
أما التغلب: ي فالواجب عليه الصدقة المضاعفة اتباعاً لصلح عمر رضي الله عنه معهم.
وأما النصراني: فالواجب عليهم الحلل اتباعاً لصلح رسول الله عليه السلام.
وأما سائر أهل الذمة قالوا: الواجب على المعتمل منهم الجزية على الترتيب الذي نبين بعد هذا، وتكلموا في معنى المعتمل والصحيح من معناه الذي يقدر على العمل، وإن لم يحسن حرفته، وإنما خصصنا القادر على العمل بإيجاب الجزية حتى لا تجب على المقعد، والأعمى والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الكسب؛ لأن الجزية لا تجب إلا على المقاتلين؛ لأنها عقوبة للمقاتلين، ولهذا لا يجب على النسوان والصبيان، وكذلك لا تجب على العبيد والمكاتب والمدبرين؛ لأنهم لا يملكون القتال شرعاً؛ لأنهم لا يملكون ماله قوام القتال، وهو البدن، فبسبب أن الجزية عقوبة المقاتلين، والذي لا يقدر على