للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمل لا يقدر على القتال، فلا يجب عليه الجزية، فشرطنا القدرة على العمل لهذا.

ثم القادر على العمل. إن كان معسراً، فعليه اثني عشر درهماً، وإن كان وسط الحال، فعليه أربعة وعشرون درهماً، وإن كان غنياً فعليه ثمانية وأربعون درهماً، وإنما اعتبرنا هذا الترتيب؛ لأن الجزية عقوبة باليد، والغني أمثل لهذه العقوبة من الفقير، فشرع في حق الغني أكثر مما شرع في حق الفقير استدلالاً بسائر العبادات المالية، فأصل التفاوت بتفاوت الغنى معقول، والتقدير اتبعنا فيه الشرع، وقد ورد أن الشرع بنى التقدير على الترتيب الذي بينا، فقد صح أن عمر رضي الله عنه حين بعث حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف إلى سواد العراق ليوظف الخراج، والجزية، وظفا الجزية على الترتيب الذي ذكرنا، وقدر عمر رضي الله عنه ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، وكان إجماعاً، وتكلم العلماء في معرفة الغني والفقير والوسط.

حكي عن عيسى بن أبان أنه قال: الفقير المعتمل الذي لا مال له، وإنما يعيش بكسب يده في كل يوم، وإنما يؤخذ منه اثنا عشر درهماً، إذا كان يفضل شيء من كسبه عن قوته وقوت عياله، أما إذا كان لا يفضل شيء من قوته وقوت عياله، فإنه لا يؤخذ منه شيء، وهكذا ذكر في «النوادر» عن محمد.

وأما الوسط فهو الذي له مال إلا أن ذلك المال لا يكفيه مَدَّ عمره، فيحتاج إلى العمل في بعض الأوقات لرحبة عمره.

وأما الغني، فهو الذي له مال يكفيه لعمره من غير أن يعمل فيه.

وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: يعتبر في كل بلدة عرفها، فمن عده الناس في بلدهم فقيراً أو وسطاً أو غنياً، فهو كذلك، وهو الأصح، وتؤخذ الجزية من قسيسهم ورهبانهم، هكذا ذكر في كتاب «العشر والخراج» ، وفي آخر «السير الكبير» أن عند أبي حنيفة تؤخذ، منهم الجزية، وعندهما لا تؤخذ ولا تؤخذ من المجنون والمعتوه.

وأما بيان وقت وجوب الجزية، فنقول: الجزية تجب بأقل الحول عندنا، حتى كان للإمام أن يطالبه بالجزية متى قبل عقد الذمة، والاستيفاء في آخر الحول بطريق التخفيف، والتأجيل عند أبي حنيفة، وهذا لأن الجزية خلف عن القتل، وبعقد الذمة سقط الأصل، فيجب خلفه في الحال غير أن الحول تخفيف وتأجيل عند أبي حنيفة، فيؤخذ في آخر الحول قبل دخول الحول الثاني.

وعن أبي يوسف أنه قال: يؤخذ في كل شهرين يقسط ذلك.

وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف: يعامل على الجزية كالضريبة كلما مضى شهران، أو نحو ذلك أخذ منه شيء، ولا يؤخذ منه جميع ذلك حتى تتم السنة، وعن محمد أنه يؤخذ في كل شهر بقسطه.

وفي «المنتقى» بشر عن أبي يوسف إذا احتلم الغلام من أهل الذمة في أول السنة قبل أن توضع الجزية على رؤوس الرجال، وهو موسر، وضع عليه الجزية، وإن أسلم بعدما وضعت الجزية على رؤوس رجال لم يؤخذ عنه لتلك السنة، هذا الفصل بناءً على ما قلنا إن وجوب الجزية وتوظيفها في أول السنة، فراعى أهلية التوظيف في تلك الحالة،

<<  <  ج: ص:  >  >>