للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثبت هذا فنقول: إذا ماتت هذه الحيوانات في الماء إنما لا ينجس الماء. أما على قياس من يقول لا دم لهذه الحيوانات دم سائل، ولأن الماء معدن هذه الحيوانات، ومصابها والشيء في معدنه ومصابه لا يعطى حكم النجاسة، ألا ترى أن الرجل إذا صلى وفي كمه بيضة حال محُّها دماً فصلاته جائزة.

ولو صلى وفي كمه قارورة بول لا تجوز صلاته، إلا رواية عن محمد رحمه الله فإنه قال: إذا كان رأس القارورة أقل من الدرهم جازت صلاته وما أقرها إلا باعتبار أن النجاسة في فصل البيضة في معدنها. وفي فصل القارورة: النجاسة في غير معدنها فاعتبرت.

ومعنى آخر يخص السمكة على قول هؤلاء أن الشرع أسقط اعتبار دمها حتى أباحها بغير ذكاة فالتحق دمها بالعدم، والتحقت السمكة بما ليس له دم سائل.

وأما إذا ماتت هذه الحيوانات في غير الماء من المائعات أجمعوا على أن في السمكة لا تتنجس، أما على قول الفريق الأول فظاهر، وأما على القول الفريق الثاني؛ فلأن الشرع أسقط اعتبار دمها فالتحق بما ليس له دم سائل.

وفي غير السمكة اختلاف المشايخ على ما مرّ.

وجه قول من قال بأنه ينجس، أن لهذه الأشياء دم سائل، والشرع ما أسقط اعتبار دمها، فإنه لا يباح تناول هذه الأشياء.

وجه قول من قال بأنه لا ينجس: أنه ليس لهذه الأشياء دم سائل على الحقيقة على ما مرّ، وأما الحيوان الذي يعيش في البر والماء جميعاً وله دم سائل كالطير المائي إن مات في غير الماء نجسه لأن له دماً سائلاً ولم يسقط اعتبار دمه شرعاً، فإنه لا يحل بدون الذكاة. وإن مات في الماء؛ فقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه ينجس الماء؛ لأنا إن نظرنا إلى عيشه في الماء لا نحكم بنجاسة الماء، وإن نظرنا إلى عيشه في البر نحكم بنجاسة الماء، فحكمنا بنجاسة الماء ورجحنا عيشه في البر احتياطاً.

والضفدع البري إذا مات في الماء إن كان كبيراً له دم سائل نّجس الماء، وإن كان صغيراً ليس له دم سائل لا ينجس كالذباب والزنبور وما أشبههما. والعقرب ليس له دم سائل فموته في الماء لا ينجس الماء.

في «القدوري» : إذا ماتت فأرة في مائع كالسمن ونحوه، فإن كان ذائباً تنجس وجاز الانتفاع به في غير الأبدان وجاز بيعه، على البائع أن يبين ذلك للمشتري. وإن كان جامداً تلقى ويُقوّر ما حولها ويلقى وينتفع بالباقي أكلاً وغير ذلك، والأصل فيه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمسئل عن سمن وقعت فيه فأرة وماتت قال: «إن كان جامداً فألقوها وما حولها وكلوا الباقي وإن كان ذائباً فانتفعوا به ولا تأكلوه» ؛ ولأن في الجامد النجاسة جاورت موضعاً واحداً، فإذا قوِّر ذلك فالباقي طاهر، وفي الذائب النجاسة جاورت الكل فصار الكل نجساً.

<<  <  ج: ص:  >  >>