بخلاف ما لو مرض بعدما أصبح صائماً؛ لأن المرض عذر جاء من قبل الله.... سبيل من إسقاطه، فجاز أن يسقط عن المعني في الصوم، وأما السفر معني في مهنة من، وعليه لا يقدر على إسقاط ما عليه إلا بالأداء، والسفر الذي يبيح الفطر ما يبيح القصر، والمرض الذي يبيح الفطر ما خاف منه الموت، أو زيادة علة، حتى لو خاف أنه لو لم يفطر يزداد عنه وحفا أو حماة شدة حل له أن يفطر، وقد فرق بين المرض وبين السفر، فجعل أصل السفر مبيحاً، ولم يجعل أصل المرض مبيحاً، والوجه في ذلك: أن العلة الأصلية في إباحة الفطر المشقة، والمرض أنواع منها ما يكون الصوم خير المريض، فلا يصلح لإباحة الفطر على الإطلاق، فأما السفر، فالصوم فيه يوجب المشقة بكل حال.
إذا ثبت هذا: فنقول المريض إذا خاف على نفسه التلف، أو ذهاب عضو منه يفطر بالإجماع، وإن خاف زيادة العلة وامتداده، فكذلك عندنا، وعليه القضاء إذا أفطر لقوله تعالى:{ومن كان مريضاً أو على سفر، فعدة من أيام أخر}(البقرة: ١٨٥) وقال في «الأصل» : إذا خافت الحامل أو المرضع على أنفسهما، أو ولدها جاز الفطر، وعليهما القضاء، وهو بناءً على ما قلنا، ولم يذكر في شيء من الكتب أنه إذا زال المرض، وبقي الضعف هل له أن يفطر؟ قيل: وينبغي أن لا يفطر لأن المبيح هو المرض دون الضعف، ولا يعتبر فوت المرض دون الضعف أيضاً لما ذكرنا أن المبيح هو المرض لا خوفه.
سئل أبو القاسم عمن لدغته حية، فأفطر بشرب الدواء ينفعه، فلا بأس به.
في «مجموع النوازل» : سئل شيخ الإسلام عن صغير رضيع مبطون يخاف موته بهذا الدواء. وله ظئر، ويزعم الأطباء إن شربت دواء كذي يبرأ هذا الصغير، وتحتاج الظئر أن تشرب ذلك نهاراً في رمضان هل لها الإفطار بهذا العذر؟ قال: نعم إذا قال الأطباء البصراء بذلك.
في «الحاوي» : إن أفطرت يوماً في شهر رمضان لضعف أصابها في عمل البيت من طبخ أو خبز أو غسيل ثياب، فإن خافت على نفسها بسبب الصوم لو لم تفطر كان عليها قضاء ذلك اليوم لا غير؛ لأنه إفطار بعذر؛ لأنها تحت يد المولى، ولها أن تمنع من الائتمار لأمر المولى إذا كان يعجزها عن أداء الفرض؛ لأنها مبقاة على أصل الحرفة حق الفرائض، وفي هذه المواضع أيضاً: إذا سافر في شهر رمضان وخرج من مصره، ولم يفطر، وقد نسي شيئاً، فرجع إلى منزله يحمل ذلك الشيء، وأكل في منزله شيئاً، وخرج كان عليه الكفارة لأنه لما رجع فقد رفض سفره، وكان مقيماً.
نوع منه
إذا استدام السفر أو المرض حتى مات، فلا قضاء عليه؛ لأن وجوب القضاء مؤخر إلى وقت زوال العذر، فيبقى التأخير ما بقي العذر، وإن زال العذر بالصحة أو الإقامة وجب القضاء، واختلف أصحابنا في وقت القضاء، منهم قال: بأن القضاء على الفور،