للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدل على أن أصل الحج يقع عن المحجوج عنه، والدليل عليه أنه لا يسقط حجة الإسلام عن المأمور ولو وقع أصل الحج عن المأمور يسقط عنه حجة الإسلام، والدليل عليه أن المأمور، يحتاج إلى إسناد الإحرام إلى الآمر، والإحرام عقد على الأداء، فهذا يدلك أن الحج يقع عن المحجوج عنه بذلك الإحرام هذا هو في حجة الفرض» ا. هـ.

جئنا إلى حجة التطوع، فنقول: من أمر غيره بحجة التطوع جاز، ويصير للآمر ثواب النفقة في طريق الحج من حيث أنه سبب إلى الحج بالإنفاق، أو يصير المأمور جاعلاً ثواب فعله للآمر، وهذا جائز عند أهل السنّة، ومن الناس من ينكر جعل الثواب لغيره عملاً بظاهر قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَنِ إِلاَّ مَا سَعَى} (النجم: ٣٩) وأهل السنّة يحتجون بما روي أن النبي عليه السلام «ضحى بكبشين أملحين أحدهما: عن نفسه، والأخرى عن أمته» ولا حجة له في الآية؛ لأن العامل لما جعل سعيه لغيره صار ذلك الغير.

الجواب الذي ذكرنا في حجة التطوع صحيح على عبارة جميع المشايخ، أما على عبارة شيخ الإسلام رحمه الله فظاهر، وأما على عبارة شمس الأئمة؛ فلأن وقوع أصل الحج عن الآمر عرف بحديث الخثعمية، وحديث الخثعمية ورد في الفرض لا في النفل، ثم إنما تسقط حجة الفرض عن الإنسان بإحجاج غيره إذا كان الحج وقت الأداء عاجزاً عن الأداء بنفسه، ودام عجزه إلى أن مات، أما لو زال عجزه بعد ذلك، فلا يسقط عنه حجة الفرض؛ لأن الأصل في هذا الباب حديث الخثعمية، وإنه ورد في حق الشيخ الفاني، فيبقى غيره على أصل القياس، والقياس يأبى ذلك.

بيان هذا فيما ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» : رجل أحج رجلاً وهو مريض، فلم يزل مرضه حتى مات، فهو جائز عن حجة الإسلام، وإن صح لا يجزئه عن حجة الإسلام. وروى المعلى عن أبي يوسف أنه إن برأ من مرضه قبل فراغ المأمور عن الحج، فعليه الإعادة، وإن برأ بعد ما فرغ المأمور عن الحج فلا إعادة، وجعل هذا نظير المكفر بالصوم إذ قدر على التحرير، ونظير المصلي بالتيمم إذا قدر على الماء.

وإن أحج رجلاً، وهو صحيح أجزأه عن التطوع؛ لأن فرض الحج يتأدى بالإحجاج حالة العذر، وكل عبادة جاز أداء فرضها بجهة حالة العذر جاز أداء نفلها بتلك الجهة في غير حالة العذر كالصلاة قاعداً وراكباً. وكل من كان عاجزاً لا يرجى زواله ظاهراً وغالباً يجب عليه أن يحج رجلاً إذا قدر عليه.

ومن كان عاجزاً عجزاً يرجى زواله كالمرض والحبس لا يجب عليه ذلك؛ لأن العبرة للغالب والظاهر في حق الأحكام، فإذا كان عجزاً لا يرجى زواله غالباً وظاهراً الحق الإحجاج، وإذا كان عجز يرجى زواله غالباً وظاهراً الحق بالصحة في حق عدم وجوب الإحجاج عملاً بالغالب، والظاهر في الفصلين جميعاً، ومن كان عاجزاً، وأحج رجلاً إن كان عاجزاً لا يرجى زواله ظاهراً أو غالباً كان حكمة موقوفاً، فإن استمر به

<<  <  ج: ص:  >  >>