والأفضل للإنسان إذا أراد أن يحج رجلاً عن نفسه أن يحج رجلاً قد حج عن نفسه؛ لأنه أهدى إلى إقامة الأعمال؛ ولأنه أبعد عن الخلاف، فإن الذي لم يحج عن حجة الإسلام عن نفسه لم تجز حجته عن غيره عند بعض الناس، ومع هذا لو أحج رجلاً لم يحج عن نفسه حجة الإسلام يجوز عندنا، وسقط الحج عن الآمر؛ لأن النبي عليه السلام حين أمر الخثعمية، قال الحج عن أبيها لم يستفسر أنها هل حجت عن نفسها أم لا؟ وإذا أمر غيره بالإفراد بحجة أو عمرة فقرن، فهو مخالف ضامن في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يجزىء عن الآمر استحساناً.
وهذا الخلاف فيما إذا قرن عن الآمر ما لو نوى بأحدهما عن شخص آخر وعن نفسه، فهو مخالف ضامن بلا خلاف. لهما: لأنه أتى بالمأمور به وزيادة ... ، لأبي حنيفة رحمه الله أنه أمره بقطع جميع المسافة، وهو قطع بعض المسافة للعمرة، فيصير مخالفاً.
ولو أمره بالحج فاعتمر، ثم حج من مكة، فهو مخالف في قولهم؛ لأنه أمره بأن يؤدي بالسفر الحجة، وقد أدى الحجة من غير سفر. ولو أمره بالعمرة فاعتمر أولاً، ثم حج عن نفسه لم يكن مخالفاً، وإن كان حج أولاً، ثم اعتمر فهو مخالف، ولو أمره بالحج مطلقاً فحج المأمور ماشياً فهو مخالف؛ لأن مطلق الأمر بالحج فيما بين العباد ينصرف إلى فرض الله تعالى على عباده، وذلك الحج راكباً، ولو حج على حمار كره له ذلك، والجمل أفضل؛ لأن النفقة في ركوب الجمل أكثر.
ولو أقام بمكة بعد أداء الحج إن كانت إقامة معتادة، فالنفقة في مال الآمر، وإن كانت غير معتادة، فالنفقة في مال المأمور، والمعتبر في زماننا أن يقيم إلى وقت خروح الناس إذ لا يمكنه أن يستقيم في الخروج. ولو عزم أن يقيم بمكة زيادة على القدر المعتاد، ثم عزم على الخروج عادت نفقته في مال الآمر، إلا أن يكون قد اتخذ مكة داراً، فلا تعود النفقة بعد ذلك؛ لأن ذلك السفر قد انقطع باتخاذ مكة داراً، فلا يعود حكمه بعد ذلك. وكذلك إذا اتخذ موضعاً آخر وطناً له، ثم بدا له الانصراف لم يكن له أن ينفق من مال الآمر.
ابن سماعة عن محمد رحمه الله: المأمور بالحج إذا حج عن الآمر، ثم أحرم بعمرة ينفق من مال نفسه ما دام معتمراً؛ لأنه في العمرة عامل لنفسه، فإذا انصرف أنفق من مال الآمر؛ لأنه مأمور بالانصراف، ولو عجل المأمور الإحرام، فوصل مكة محرماً في شهر رمضان أو بعده، فإنه محرم ينفق من مال نفسه إلى عيد الأضحى أو قبله بيوم أو يومين على اختلاف ما يدخل الناس مكة، وإن أحصر المأمور بالحج، فالهدي على الآمر عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وعند أبي يوسف على المأمور.