للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم بأن الدماء ثلاثة: دم قربة، وهو دم الإحصار، وإنه على الخلاف، ودم نسك وهو دم المتعة والقران، وإنه على المأمور، ودم جبر وهو ما يجب بالجناية على الإحرام بارتكاب محظور (١٨٢ب١) من قتل صيد أو قَلْم أظافر، أو ما أشبه ذلك، أو يجب بنقصان تمكن في مناسك الحج بأن طاف بالبيت منكوساً أو محدثاً أو جنباً، وإنه على المأمور بلا خلاف.

وإذا أمر رجلان أن يحج عن كل واحد منهما حجة، فأهل بحجة فهي عن الحاج النفقة وإن كان أنفق من مالهما، وإنما كان الحج عن الحاج، ويضمن الحاج؛ لأن كل واحد منهما أمره أن يخلص له الحجة والسفرة من غير إشراك، فإذا أحرم عنهما صار مخالفاً، فيقع فعله عنه، وأما ضمان النفقة؛ لأنه صرف مالهما إلى حج نفسه، وهما لم يأمراه بذلك، فإن عين بعد ذلك عن أحدهما لا يصح التعيين.

فرق بين هذا وبينما إذا أهل بحجة عن أبويه، فإنه يجوز أن يجعله عن أحدهما، هذا إذا أحرم عنهما، فإن أحرم عن أحد منهما فإن مضى ذلك صار مخالفاً، وإن عين لأحدهما قبل المضي أي قبل الطواف وقبل الوقوف صح التعيين استحساناً، وقول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ... ؛ لأن الإحرام عندنا ليس من الأركان مقصوداً، بل شرع وسيلة إلى أداء الأفعال، ولهذا صح تقديمه على وقت الأداء، وهو أشهر الحج، فكان بمنزلة الشرط، فإنما يشترط منه ما يقع التمكن به من الأداء، والمبهم الذي يحتمل التعيين يصلح للأداء بواسطة التعيين، فالنفي به شرطاً بخلاف ما إذا اشتغل بالأفعال؛ لأن الفعل مقصود، والفعل لا يصح مع الجهالة، وليس أحدهما لأن يقع الفعل عنه بأولى من الآخر، فتعين إحرامه عن نفسه، فلا يمكنه أن يجعله بعد ذلك لغيره.

ومما يتصل بهذا الفصل ما ذكر في «الجامع الصغير» : رجل توجه يريد حجة الإسلام، فأغمي (عليه) فأهل عنه أصحابه أجزأه، ويصير المغمى عليه محرماً حتى لو وقفوا به وطافوا به جاز، وسقط عنه حجة الإسلام، وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجزئه، واختلفت عبارة المشايخ في تخريج المسألة، قال بعضهم: لا خلاف بين أصحابنا أن الإحرام يتأدى بالنائب، حتى أن من أمر أهل رفقته أن يحرموا عنه متى عجز عن الإحرام بنفسه، فأغمي عليه، وأحرم عنه واحد من أهل رفقته يجوز، ويصير المغمى عليه محرماً، وإنما وقع الخلاف في هذه المسألة لاختلافهم في أنه هل وجدت الإنابة من المغمى عليه في الإحرام عنه؟ فهما تمسكا بالحقيقة والصريح، وقالا: لم توجد الإنابة من حيث الحقيقة والصريح، وأبو حنيفة رحمه الله يتمسك بالدلالة، وقال الناس فيما بينهم: إنما يقصدون عقد الرفقة للإستعانة بعضهم ببعض فيما يحتاج إليه في سفره، هذا هو الكلام في الإحرام وأما سائر المناسك هل تتأدى بأهل رفقته، فمن المشايخ من قال: تتأدى، إلا أن الأولى أن يطوفوا به ويقفوا به ليكون أقرب إلى أدائه لو كان مفيقاً،

<<  <  ج: ص:  >  >>