وإليه مال شمس الأئمة السرخسي، فعلى هذا القول لا يقع الفرق بين سائر المناسك وبين الإحرام.
ومنهم من فرق بين الإحرام وسائر المناسك، والفرق أن الاستعانة تتحقق عند العجز، وفي أصل الإحرام تحقق العجز، فأما في الأعمال لم يتحقق العجز، فإنهم إذا حضروه المواقف كان هو الواقف والطائف بمنزلة ما لو طاف راكباً بعذر، ومن المشايخ من قال: لا خلاف بين العلماء أن عقد الرفقة استعانة من كل واحد منهم بأصحابه فيما يعجز عن الفعل بنفسه.
والخلاف في هذه المسألة بناءً على اختلافهم في أن الإحرام هل يتأدى بالنائب؟ على قول أبي حنيفة يتأدى، وعلى قولهما: لا يتأدى وهذا القائل يقول: لا رواية عنهما فيما إذا أمر أصحابه بالإحرام عنهما صريحاً، وإنما الرواية في بدنة بين سبعة نفر قلّدها واحد منهم بأمر أصحابه محرمين، فالرواية عنهما في التقليد، والرواية في التقليد لا تكون رواية في التلبية فيما يقولان بأن الإحرام فعل من أفعال الحج، فلا تجري فيه النيابة قياساً على الطواف وسائر الأفاعيل، والمعنى في الكل أن أفعال الحج عبادة بدنية، وهذا بخلاف ما لو أغمي عليه بعد الشروع، وطافوا ووقفوا به؛ لأن ذلك إعانة وليس بنيابة؛ لأن المغمى عليه يصير طائفاً وواقفاً لكن بإعانتهم، والإعانة جائزة، وبخلاف النفل؛ لأنه فعل مأتيّ والنيابة تجري في نفله.
وأبو حنيفة يقول: الإحرام عنه ليس بمقصود تحريم المحظورات، وهذا المقصود يحصل بالنائب، فتصح النيابة كما في باب الزكاة بخلاف الوقوف والطواف؛ لأن المقصود من الطواف والوقوف تعظيم البيت وحصوله في ذلك المكان، هذا المقصود لا يحصل بفعل النائب وأما إذا أحرم عنه من ليس من رفقته، لا شك أن على قولهما لا يجوز، وأما على قول أبي حنيفة، اختلف المشايخ، بعضهم قالوا: يجوز لوجود الإذن دلالة؛ لأنه أنفق مالاً عظيماً حتى بلغ الميقات، فالظاهر أنه يكون مستعيناً بكل واحد من آحاد الناس بالإحرام عنه إذا لم يحرم عنه أهل رفقته.
في «المنتقى» : عيسى بن أبان عن محمد رحمهم الله: رجل أحرم بالحج، وهو صحيح ثم أصابه عته، فقضى به أصحابه المناسك ووقفوا به، فلبث كذلك سنين، ثم أفاق أجزأه ذلك عن حجة الإسلام، قال: وكذلك الرجل إذا قدم مكة أو صحيح أو مريض، إلا أنه يعقل أغمي عليه بعد ذلك، فحمله أصحابه وهو مغمى عليه، وطافوا به فلما قضوا الطواف أو بعضه أفاق، وقد أغمي عليه ساعة من نهار لم يتم ذلك يوماً، أجزأه ذلك عن طوافه، قال: لأنه حين ما أغمي عليه فقد صار في حال من يجزئه أن يطاف به من غير تعيين منه، فهو بمنزلة ما لو أصابه وجع، ولعجزه عن القيام فصلى قاعداً، فلما فرغ منها قدر على القيام.
وفيه أيضاً: ولو أن مريضاً لا يستطيع الطواف إلا محمولاً، وهو يعقل نام من غير غشية، فحمله أصحابه وهو نائم فطافوا به، أو أمرهم أن يحملوه ويطوفوا به، فلم يفعلوا