للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصرخ بصوت صحل اقشعرّ له جلدى، يقول: يا معشر قريش، إن هذا النبى المبعوث منكم قد أظلتكم أيّامه، وهذا إبّان نجومه، فحى هلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا فيكم رجلا وسيطا طوالا عظاما جساما، أبيض بضّا، أشم العرنين (١)، أوطف الأهداب، سهل الخدين، له فخر يكظم عليه، وسنه (٢) يهدى إليه، ألا فليخلص هو وولده، وليدلف إليه من كل بطن رجل، ألا فليشنّوا (٣) من الماء، وليمسّوا من الطيب، ثم ليستلموا الركن، وليطوفوا بالبيت العتيق سبعا، ثم ليرقوا أبا قبيس، ألا وفيهم الطيّب الطاهر لذاته، ألا فليستسق الرجل وليؤمّن القوم؛ ألا فغثتم-إذا-ما شئتم وعشتم.

فأصبحت-علم الله-مفئودة مذعورة، قد قفّ جلدى ووله عقلى. فاقتصصت رؤياى، ونمّت فى شعاب مكة، فو الحرمة والحرم إن بقى بها أبطحى إلاّ قال: هذا شيبة الحمد هذا شيبة.

وتتامت عنده رجالات قريش، وانفضّ إليه من كل بطن رجل فشنّوا وطيّبوا ومسّوا واستلموا وطافوا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفق القوم يدفّون حوله. ما إن يدرك سعيهم مهلة حتى قرّوا بذروة الجبل، واستكفّوا جنائبه. فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمدا فرفعه


(١) العرنين: ما صلب من عظم الأنف حيث يكون الشمم. (المعجم الوسيط).
(٢) كذا فى الأصول، والوفا بأحوال المصطفى ١:١٢١، وفى دلائل النبوة ١:٣٠١، ومنال الطالب ١:٢٠١، والخصائص الكبرى ١:١٩٨ «وسنة». وفى سبل الهدى والرشاد ٢:١٧٨ «وسنة يهتدى إليها».
(٣) فليشنوا من الماء: أى يغتسلوا به. (سبل الهدى والرشاد ٢:١٨٠)