للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جلبته حراريق (١) الأمير سيف الإسلام فأخذت جميع ما فيها من الأثقال، وكان استصحب الخفّ النفيس الخطر مع نفسه إلى البر، وهو فى جملة من رجاله وعبيده، فسلم به، ووصل مكّة بعير موقورة متاعا ورجالا، دخلت على أعين الناس إلى داره التى ابتناها بها، بعد أن قدّم نفيس ذخائره وخاصّ ماله، وجملة رقيقه وخدمه ليلا. وبالجملة فماله لا يوصف كثرة؛ رأسا وكراعا. والذى انتهب له كثير؛ لأنه كان-فى ولايته-موصوفا بسوء السيرة مع التجار، كانت المنافع التجارية كلها راجعة إليه، والذخائر الهندية المجلوبة واصلة إلى يديه؛ فأنشب سحتا عظيما، وحصل على كنوز قارونية، وأوقف مدرسته التى عند باب العمرة للحنفية، وتعرف الآن بدار السلسلة، والرّباط المقابل لها، ويعرف برباط الهنود، والمدرسة هى الآن بأيدى بعض الأشراف من أولاد أمراء مكة (٢).

وفيها فى يوم الخميس ثامن ذى الحجة بكّر الناس بالصعود إلى منى وغدوا منها إلى عرفات، وتركوا المبيت بها لخوف الأعراب المغيرة على الحجاج فى طريقهم إلى عرفات، واجتهد الأمير عثمان الزّنجيلى فى حفظ الحجاج وإبلهم اجتهادا يرجى له به المغفرة لجميع خطاياه؛ وذلك أنه تقدم بجميع أصحابه شاكين السلاح إلى المضيق الذى بين


(١) الحراريق جمع حراقة: نوع من السفن تحمل الجنود وفيها مرامى نيران يرمى بها العدو (المعجم الوسيط).
(٢) العقد الثمين ٦:٣٥، وشفاء الغرام ١:٣٢٨ وهامشها، و ص ٣٣١، ورحلة ابن جبير ص ١٤٦ - ١٤٩.