للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجون، ولم يزل بمكة إلى أن قضى ما يجب عليه من الوقوف بعرفة، فوقف عند الصخرات، وطلعت أعلامه مضمومة مع أعلام صاحب مصر، فقال له الأمير عز الدين بن الإمام: هلاّ أطلعت أعلامك يا مولانا قبل أعلام المصريين؟ فقال: أترانى أؤخر أعلام ملك (١) كسر عساكر التتر بالأمس وأقدّم أعلامى لأجل حضورى ومغيبه؟! لا أفعل هذا أبدا. ثم مضى فى حجه حتى أتمه، ثم قصد البيت الشريف، وحلّ له ما حرم عليه، ولم يزل مدة إقامته بمكة يصلى المغرب على قبة زمزم، ثم يطوف واردا وصادرا، وتخالف هو والوزير القاضى البهاء فى مقام إبراهيم وخدمة البيت الشريف، وأخذ المكسحة فكسحه، وتأبط القربة وغسله وغسله، ثم ضمخه بالغوالى الفاخرة، فقال فيه الشاعر عند ذلك:

مقام يحق لذى الكبريا … ء به أن يذلّ له بالخضوع

رأينا به الملك رب الفخار … أبا عمر [ذا] (٢) النوال الهموع

خشوعا مروعا لتقوى الإله … وما كان [من] (٢) قبله بالمروع


(١) يريد بذلك الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزى، الذى تسلطن فى مصر فى يوم السبت سابع عشر ذى القعدة سنة ٦٥٧ هـ، وتصدى للتتار بعد أخذهم بغداد وقتلهم الخليفة، ثم اجتياحهم البلاد الشامية، ووصول غاراتهم إلى غزة وبلد الخليل، واستباحتهم الحرمات من القتل والأسر وسبى النساء والصبيان، وكان لقاء السلطان لهم بعين جالوت - بين نيسان ونابلس - من أعمال فلسطين، وقد نصره الله عليهم؛ فهزم التتار وتشتتوا فى البلاد الشامية، وتتبعهم شجعان الأمراء من جيش قطز؛ يقتلون ويأسرون، ويستردون السبايا، وحفظوا للإسلام بيضته، وللمسلمين كرامتهم، وكان النصر يوم الجمعة خامس عشرين رمضان سنة ٦٥٨ هـ. وانظر النجوم الزاهرة ٧٢:٧ - ٨٤.
(٢) الإضافة عن العقود اللؤلؤية ١٣٤:١.