فلما أصبحوا غدت جلّة من قريش من أشرافهم، فيهم الحارث ابن هشام-فتى شاب وعليه نعلان له جديدان-حتى دخلوا شعب الأنصار-ويقال: حتى جاءوا الأنصار فى رحلهم-فقالوا:
يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا وإنه والله ما من حى أبغض إلينا من أن تنشب الحرب فيما بيننا وبينهم منكم. فانبعث من كان هناك من مشركى الأنصار يحلفون لهم بالله ما كان من هذا من شئ، وما فعلناه وما علمناه-وكان حاضرا أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام، وكعب بن مالك وهما صامتان لم يتكلما-فلما تثوّر القوم لينطلقوا قال كعب بن مالك كلمة-كأنه أشركهم فى الكلام-: يا أبا جابر أنت سيّد من ساداتنا وكهل من كهولنا، لا تستطيع أن تتخذ مثل نعلى هذا الفتى من قريش؟ فسمعه الفتى فخلع نعليه فرمى بهما إلى كعب بن مالك وقال: والله لتلبسنهما.
فقال أبو جابر: مه، أحفظت-لعمر الله-الرجل: يقول أخجلته-أردد عليه نعليه. فقلت: والله لا أردهما [فأل-والله- صالح، لئن صدق الفأل](١) إنى لأرجو أن أستلبه. ثم انصرفوا عنه.
وأتوا عبد الله بن أبّى فسألوه وكلّموه فقال: إن هذا لأمر
(١) سقط فى الأصول. والمثبت عن سيرة النبى لابن هشام ٢:٣٠٧، والسيرة النبوية لابن كثير ٢:٢٠٥، وسبل الهدى والرشاد ٣:٢٨٥.