للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة وصلى (١) الطريق فلم يمرّ أحد، فضربت ببصرى هل نرى ظلا نأوى إليه، فإذا بصخرة فانتهيت إليها فإذا بقيّة ظل لها فنزلنا تحتها، فسويت للنبى مكانا، وفرشت له فروة كانت معى، وقلت اضطجع يا رسول الله حتى أنفض لك ما حولك، فاضطجع، ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب، فإذا أنا براعى غنم معه سائمة يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذى أريد- يعنى الظل-فسألته فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش فسمّاه فعرفته، فقلت: هل فى غنمك من لبن؟ قال: نعم. فقلت:

هل أنت حالب لى؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة منها، ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار، وأمرته بنفض كفيه من الغبار، وقال هكذا فضرب إحدى يديه على الأخرى، ومعى إداوة على فمها خرقة، فحلب لى كثبة (٢) من اللبن، ومعى ماء للنبى فى إداوة، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، وكنت أكره أن أوقظ النبىّ من نومه، فوافقته حين استيقظ فناولته الإداوة فقلت: اشرب يا رسول الله. فشرب حتى رضيت. ثم قال: ألم يأن للرحيل يا أبا بكر؟ قلت: بلى يا رسول الله.

فارتحلنا (٣) -ويقال إن أبا بكر هو القائل: هل آن الرحيل؟ فارتحلنا.


(١) كذا فى م، وبياض فى ت، وفى السيرة الحلبية ٢:٢٢٣ «وقام قائم الظهيرة وخلا الطريق فلا يرى فيه أحد».
(٢) كثبة بضم الكاف وسكون المثلثة وفتح الموحدة: أى قدر قدح، وقيل حلبة خفيفة (سبل الهدى والرشاد ٣:٣٦٨) وفى النهاية فى غريب الحديث: كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك.
(٣) دلائل النبوة ٢:٢١٥،٢١٦، والوفا بأحوال المصطفى ١:٢٣٩، وتاريخ الإسلام ٢:٢٢٣، وسبل الهدى والرشاد ٣:٣٤٥،٣٤٦.