ولد بمكة المكرمة فى ليلة الجمعة سلخ جمادى الآخرة سنة اثنتى عشرة وثمانمائة من الهجرة النبوية، ونشأ بها كما ينشأ أبناء العلماء؛ فحفظ القرآن الكريم، وكتابا فى الحديث ألفه له والده، ثم اتجه إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل فأخذ يحفظ كتابا فيه، وقبل أن يتمه حفظا حوله أبوه إلى فقه الإمام الشافعى؛ فأقبل على دراسته، واشتغل بكتبه، وإلى جانب ذلك أقبل على حفظ أصول كتب النحو ومتونه؛ كل ذلك على جلة الشيوخ بمكة المكرمة المقيمين بها والوافدين إليها.
ومما لا شك فيه أنه سمع من الوافدين إلى مكة المكرمة عن مجالس العلم وشيوخه المبرزين فى فنونه المختلفة فى مصر والشام وغيرهما، فتطلعت نفسه إلى حضور تلك المجالس ولقاء هؤلاء الشيوخ ومدارستهم والأخذ عنهم. فلما أنس من نفسه إلحاح الرغبة على الاستزادة من العلم والمعرفة، والقدرة على الارتحال إلى حيث يقيم العلماء الذين طبقت سمعتهم آفاق العالم الإسلامى والعربى منه على وجه الخصوص بدأ أول رحلاته العلمية؛ فخرج إلى مصر فى أخريات سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، ودخل القاهرة فى الرابع والعشرين من المحرم من سنة ست وثلاثين، والتقى بشيوخها وعلمائها، فسمع منهم وحضر عليهم وأخذ عنهم، ولازم شيخ الإسلام الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر، فتدرب به فى التدريس والفتوى، وأخذ عنه ما شاء، ثم خرج إلى الشام فى رمضان من نفس السنة مارا بغزة والخليل والقدس الشريف والرملة وأخذ فيها عن جلة شيوخها